ثمة قصة حب طويلة نسج التاريخ فصولها منذ عقود بين البريطانيين وساحل البحر الأبيض المتوسط الجميل الممتد على طول شواطئ تركيا؛ ففي عام 1838 زار الرحالة وعالم الآثار البريطاني سير تشارلز فيلوز هذه المنطقة حيث وقف مشدوهاً ومبدياً إعجابه الشديد بما بقى من أطلال فيها. وفي رحلة العودة، أخذ معه نصب النيريد وهو عبارة عن قبر يرجع إلى القرن الرابع قبل الميلاد، ولا يزال قابعاً حتى الآن في المتحف البريطاني.
ورغم أن هناك مئات الآلاف، بل والملايين من الزائرين والسائحين ممن لديهم ولع باستكشاف المواقع الأثرية في هذا البلد الذي يحتل حاليا مكانة بارزة على خارطة السياحة العالمية، إلا أن معظم هؤلاء تستهويهم بدرجة أكبر زيارة “ساحل الفيروز” أو “الريفيرا التركية” الممتد جنوب غرب تركيا على البحر المتوسط وبحر إيجه، وتشمل عدد كبير من المحافظات والمدن منها أنطاليا وموغلا وأيدين وجنوب أزمير ومرسين وغيرها الكثير.
يُعد ساحل الفيروز من أبرز المعالم السياحية التركية وذلك لأسباب أخرى غير تلك المتعلقة بالافتتان بالماضي؛ فهذا الشاطئ له سحره الخاص وجاذبيته الفريدة نظراً لطوله وامتداده، وخلفيته الخلابة المؤلفة من سلسلة جبلية قممها مغطاة بالثلوج معظم شهور السنة حتى أن بعض هذه القمم الجبلية يصل ارتفاعها في أماكن معينة إلى عشرة آلاف قدم، ناهيك عن أن المنحدرات العليا تبدو مرصعة بأشجار الأرز، في حين تكسو أشجار صنوبر البحر المتوسط المنحدرات السفلى، وتتخلل المنحدرات والجروف على طول شاطئ الفيروز كيلومترات من الرمال الناعمة والأخاديد، فضلاً عن العديد من الجزر.
أما موانئ الصيد القديمة فقد تغيرت وتحولت إلى منتجعات سياحية تعج بأعداد كبيرة من المصطافين الذين هم خليط من السكان المحليين والزائرين الأجانب، وعلى الأخص البريطانيين الذين بات لديهم شغف شديد بزيارة هذه المنطقة.
وتشير أحدث الإحصاءات إلى أن عدد السائحين العرب، وعلى الأخص من السعوديين، الذين يزورون تركيا ارتفع بنسبة 75% خلال عام 2011. وقال بندر بن فهد الفهيد رئيس منظمة السياحة العربية إن حوالي مليوني سائح عربي يزورون تركيا سنوياً، وإن الجمهور العربي يظهر اهتماماً كبيراً بتركيا، وذكر أن أهمية تركيا ترجع إلى علاقاتها مع الدول العربية وجهودها المكثفة من جانب الحكومة التركية لزيادة التعاون مع العالم العربي الأمر الذي ساعد على زيادة تدفق السائحين العرب إلى تركيا.
وعن إسهام السياحة التركية، كان وزير الثقافة والسياحة التركي ارتجال جوناي قد أوضح أن نصيب السياحة في الدخل القومي يبلغ 5%، كما بلغت الإيرادات 21 مليار دولار خلال عام 2009، وتحتل تركيا المركز العاشر على مستوى العالم في الدول المستقبلة للسائحين.
إن أبرز ما يميز شاطئ الفيروز أنه ملائم للزيارة في جميع فصول السنة نظراً لاعتدال المناخ هناك، وهو الأمر الذي يشجع السائحين على القيام برحلات بحرية على متن اليخوت التقليدية، أو الاستمتاع بالمشي على الطريق الشاطئ الطويل، والتجديف، والغطس، وكذلك ممارسة رياضة القفز بالمظلات وركوب الدراجات الجبلية، فضلاً عن قضاء وقت ممتع في ملاعب الجولف الستة الواقعة في شرق المنطقة.
أشهر شواطئ ساحل الفيروز
باتارا “Patara”: يبعد هذا الشاطئ بضعة أميال إلى الشمال الغربي من منتجع كالكان الصغير الذي يحظى بشعبية كبيرة، ويعد واحداً من أطول وأفضل الشواطئ على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وحتى في ذروة الموسم السياحي، من الممكن العثور على مساحات هائلة من الرمال البيضاء تتكامل مع خطوط المد والجزر من الاخشاب الطافية والقواقع وهذه المساحة الهائلة تعتبر مثالية للأطفال، على الرغم من الرياح التي تشتد أحيانا في يوليو وأغسطس. ويستمتع السائحون بلعب الكريكيت على الشاطئ، ولكن زوار اليوم هم أكثراهتماما بممارسة السباحة أو أخذ حمام شمس.
كاباك “Kabak”: يُعرف هذا الشاطئ باسم البحيرة الزرقاء، ويمكن الوصول إليه بسهولة من أية بقعة في تركيا، ويقع بالقرب من منطقة Fethiye ويزدحم دائماً بمحبي التعرض لأشعة الشمس، ويتميز هذا الشاطئ الرملي بأنه يقع في مواجهة واد يزخر بالغابات الكثيفة والذي يستحق عناء الزيارة. وفي كل جزء من الشاطئ يمكن مشاهدة عشاق السباحة والمتشمسين، فضلاً عن محبي رياضة المشي والتخييم أو البقاء في المنازل المشيدة من الأشجار أو السياح ممن يقومون برحلات في زوارق.
فاسيليس “Phaselis”: يبعد هذا الشاطئ قرابة الساعة بالسيارة إلى الجنوب الغربي من مدينة أنطاليا، ولعل أهم ما يميزه أنه لا تزال توجد به أنقاض مدينة فاسيليس القديمة التي يرجع تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد، والتي شيدت في العصر الروماني. ويمكن الوصول إلى الشاطئ عبر غابات أشجار الصنوبر مما يزيد من متعة الزيارة لهذه المنطقة حيث يُعتبر الأطول والأكثر نعومة.
وبالنسبة إلى المعالم السياحية في منطقة ساحل الفيروز فهي متعددة ومتنوعة بيد أنه يأتي في مقدمتها داتشا Datça الواقعة جنوبي المنطقة وبالتحديد حول الميناء القديم، وداليان Dalyan وهو من أجمل المنتجعات السياحية هناك، وأيضا بلدة فيثي Fethiye القديمة التي ما زالت تحتفظ بالطابع المعماري التركي وهويتها القديمة باعتبارها مركز للسوق الرئيسي للخضروات والفواكه، وأخيراً منطقة كاس Kas التي تُعد ميناء الصيد الرئيسي.
المصدر: 1