عندما تريد أن تعرف عن التاريخ والماضي فما عليك إلا أن تتصفح أحد الكتب التاريخية، ولكن في بعض المدن العربية يمكنك أن تشتم عبق التاريخ بمجرد سيرك في أحد أحيائها العتيقة.. تتجول في ماضيها حتى يمكنك استطلاع مستقبلها.
في السطور القادمة سنتصفح سوياً بعض من ماضينا العتيق عن طريق جولة في أقدم الأحياء العربية:
خان الخليلي في القاهرة
نبدأها من مدينة الألف مئذنة، القاهرة الفاطمية أو قاهرة المعز، حيث يقف هناك حي “خان الخليلي” الشهير الذي بجذب عدد كبير من زوار القاهرة ومصر بشكل عام، ويتميز بوجود بازارات ومحلات ومطاعم شعبية.
يزيد عمر حي خان الخليلي قليلاً على 600 عام، ومازال معماره الأصيل باقياً على حاله منذ عصر المماليك وحتى الآن، وقد سُمي بهذا الاسم نسبة لمؤسسه و هو أحد الأمراء المماليك و كان يدعى جركس الخليلي.
القاصد لهذا الحي العتيق لابد أن يرتاد مقهى الفيشاوي، الذي يزيد عمره عن مائتي عام، وهو من أقدم مقاهي القاهرة، وإذا بدأت الرحلة في الخان فلابد وأن تلقي نظرة على ماتبقى من (مشربيات) مطلة على الشارع أو الحارة، وأسبلة جميلة مشغولة واجهاتها بالنحاس وفيها أحواض الماء التي كانت تروي العطشان وعابر السبيل في الزمن الذي كان.
حي القيمرية في دمشق
إذا كانت مدينة دمشق هي أقدم عواصم العالم المأهولة بالسكان، فإن حّي “القيمرية” هو قلبها، وأزقته الضيقة هي شرايينها الأصيلة التي مازالت تنبض بالحياة.
يعود اسم “القيمرية” إلى رجل عاش في زمن الفتوحات الإسلامية، وكان يدعى الشيخ “قيمر”، ويضم الحي عشر حارات أساسية، و يحمل بعضها أسماء العائلات العريقة التي سكنتها مثل “المتولي”، و”الشهبندر”؛ نسبة إلى الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، زعيم الكتلة الوطنية في عهد الاستقلال.
وحيثما اتجه الزائر لحي “القيمرية” يجد معالم أثريةً تشهد على الحضارات التي عاشت واستقرت في “دمشق”، كـباب “جيرون” أحد أبواب معبد “جوبيتر” العائد للحقبة الوثنية من العهد الروماني، وعند حدود “القيمرية” الجنوبية تقع الـكنيسة “المريمية” إحدى أقدم كنائس الروم الأرثوذكس في العالم، وتنتشر في أزقة الحي المساجد والزوايا و عدداً من الحمامات التقليدية التي ما زالت عامرةً إلى الآن.
شارع الحمرا في بيروت
لشارع الحمرا في بيروت حكاية خاصة بدأت في مطلع القرن الخامس عشر الميلادي حينما تنازع بنو تلحوق الدروز مع بني الحمرا المسلمين الذين كانوا يترددون على بيروت لبيع غلالهم ومحاصيلهم الزراعيّة، ونتيجة هذا النزاع اضطر بنو تلحوق إلى النزوح عن مساكنهم في رأس بيروت والتي كانت تُعرف في عهدهم باسم “جرن الدب” والتحقوا بالجبل تاركين أراضيهم ومنازلهم لبني الحمرا الذين حلّوا مكانهم ونسبت المنطقة من يومها وعرفت باسم كرم الحمرا وأهمل إسم جرن الدب إلى غير رجعة، وهكذا فإن شارع الحمرا اليوم هو منسوب إلى بني الحمرا البقاعيين الذين تحدرت منهم عائلات بيروتيّة كريمة، ويصبح موطن السهرات والليالي الملاح عند أهل بيروت وزوارهم الأجانب.
حي القصبة في الجزائر العاصمة
يبقى حي القصبة العتيق بأعالي العاصمة الجزائرية من أكبر الأحياء القديمة في الجزائر التي تحافظ مبانيها من دور وقصور وحمامات ودكاكين تعود إلى الفترة العثمانية.
وأول ما يلفت انتباه الداخل الى العاصمة الجزائرية من الواجهة البحرية هو تكدس عدد هائل من المباني في شكل “غابة من الأحجار” يرجع تاريخ بناءها الى قرون خلت، ويبقى حي القصبة شاهداً على كل حكايات التاريخ ورغم قدم أزقته فإنه مازال محافظاً على تراث الجزائر.
والقصبة بمعناها الأصلي، وسط المدينة العريقة المحصنة والمحاطة بالأسوار، وبقيت قصبة الجزائر العاصمة لقرون طويلة قلب المدينة ورمز خصوصيتها، وما زالت كذلك رغم عوامل الزمن.
سيدي بوسعيد في تونس
سيدي بوسعيد تقع في أعالي المنحدر الصخري المطل على قرطاج وخليج تونس، على بعد 20 كيلومتر في شمال شرق تونس العاصمة. ويعود تأسيسها إلى القرون الوسطى.
يقطن ضاحية سيدي بوسعيد حوالي خمسة آلاف شخص، و تمثل مكاناً سياحياً، وتتميز بفن معماري خاص بها فمعظم بيوتها بيضاء ذات أبواب عتيقة يغلب عليها اللون الازرق، كما تحتوي هذه الأبواب على نقوش وزخارف غاية من الجمال.
تًنسب المدينة إلى ولي صالح هو “أبو سعيد الباجي” الذي عاش في فترة معاصرة للشيخ أبي الحسن الشاذلي، وهو مدفون في تونس في ضاحية سيدي بوسعيد المسماة باسمه. إلى جانب ذلك نجد القهوة العالية وهي مكان سياحي يستقطب العديد من الزوار المحليين والأجانب وخاصة في فصل الصيف.
يتميز سيدي بوسعيد بالمشموم التونسى (عقد من الفل والياسمين) وأكله البمبالوني، كما يشهد مظاهر احتفالية في فصل الصيف كخرجة سيدي بوسعيد، وتتضمن فرق تقوم بسرد قصائد ومدائح وسط أصوات الدفوف وروائح البخور في الأجواء.
حي الملاح في المغرب
الملاّح هو الاسم الذي يُطلق على الحي اليهودي بالمدن المغربية العتيقة، مثل فاس، مكناس، مراكش، الدار البيضاء، الصويرة. وهو ما يسمى في بلاد الشام، ومصر و العراق بحارة اليهود.
تشير بعض الدراسات إلى أن حي الملاح سمي بهذا الاسم لأن أول حي يهودي تم بناؤه في المغرب كان في مدينة فاس في القرن الخامس عشر الميلادي، وبُني في منطقة كان يتم فيها تجميع وتخزين الملح تمهيدا لتصديره عبر القوافل لأوروبا، ومنذ ذلك الحين تم تعميم مصطلح الملاح ليتم تداوله بين الأوساط المسلمة واليهودية كحي محاط بأسوار عالية له بابان في غالب الأحيان يقطنه اليهود.
يبنى حي الملاح غالباً قرب القصور الملكية ومقر السلطة في المغرب، لهذا فإن أحياء الملاح توجد في وسط وفي أهم منطقة في المدن، وتتخذ شكلاً معمارياً خاصاً باليهود داخل العواصم التاريخية للمغرب، وما زالت هذه الأحياء موجودة حتى يومنا هذا.
[ad#Ghada200x200]