الشرق الأوسط – قبل عدة سنوات سُجلت قلعة مدينة حلب التاريخية شمال العاصمة السورية دمشق في موسوعة الأرقام القياسية العالمية (جينيس) كأضخم قلعة في العالم، ولا غرابة في ذلك فالقلعة تضمّ مباني أثرية هامة يأتي في مقدمتها قصر العرش والمسجد الكبير والبوابات والأسوار والأبراج وغيرها والتي تبلغ مساحتها 11 هكتاراً ولتزداد المساحة إلى 20 هكتاراً مع خندقها الشهير الذي يحيطها من كافة الاتجاهات، كذلك عراقة القلعة وتاريخ إنشائها الذي يعود إلى تسعة آلاف عام خلت والحضارات الكثيرة التي مرّت عليها ووجودها على تل مرتفع عن سطح الأرض خمسين مترا بحيث تتيح لزائرها فرصة مشاهدة معظم شوارع وحارات مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية بعد دمشق بمنظر بانورامي رائع.

وإذا كان السائح والزائر للقلعة سيستمتع كثيراً في التجول داخلها متنقلا بين مبنى وآخر في جولة تستغرق عدة ساعات مستمعاً إلى شرح الدليل السياحي المفصل عن كل مفردة من مفردات القلعة حيث لكل حجر وزاوية فيها حكاية وقصة تاريخية، وسيستمتع في صعوده إلى سطح القلعة ليشاهد مناظر الطبيعة الرائعة وسماء مدينة حلب وجمال أزقتها القديمة وأسواقها القديمة المسقوفة، كما سيستمتع أيضا خلال زيارته لمنطقة القلعة بتلك المتنزهات السياحية الجميلة والمشروعات والمباني المحيطة بالقلعة التي عملت الجهات المسئولة في حلب على استثمارها وتوظيفها في خدمة السياح بحيث تتحقق للسائح أكثر من متعة في زيارة واحدة.

طرق متعددة إلى حلب

البوابة الخارجية لقلعة حلب

مما لا شك فيه أن السائح الذي يقصد مدينة حلب قادماً إليها من دمشق حيث لن يشعر بالوقت في حال استخدم الطائرة بين المدينتين إذ تتوفر رحلات جوية يومية بين مطاري دمشق وحلب الدوليين وستستغرق الرحلة الجوية نحو ساعة في حين ستزداد إلى أربع ساعات إذا استقلّ السيارة أو البولمان من دمشق إلى حلب، فالمسافة تتجاوز 350 كلم بين المدينتين، وفي حال قررت المجيء لحلب من اللاذقية عبر الطريق الساحلي الجبلي الرائع فلن يطول وقت الرحلة أكثر من ساعتين حيث المسافة بين اللاذقية وحلب لا تتجاوز 180 كلم، ولكنك في هذه الحالة سيشاهد مناظر الطبيعة الخلابة من اللاذقية وأنت تعبر القرى الريفية والجبال والبحيرات المائية والوديان، وسيكون المشهد أجمل في حال قررت السفر إلى حلب من اللاذقية عبر القطار الذي تمتد سكته بين البساتين والمساحات الخضراء والمشاهد الفريدة ومناظر الطبيعة العذراء، وعند الوصول إلى مدينة حلب لن تنتظر طويلا حتى تجد سائق سيارة أجرة يعرض عليك خدماته لأخذك إلى القلعة وهي الأشهَر بين معالم حلب التاريخية التي تقع وسط المدينة.

من باب القلعة

داخل قلعة حلب

وبعد أن يدخل المرء القلعة من بواباتها الضخمة المصنعة من الحديد ويشاهد مداخلها المتقنة وعددها خمسة مداخل ومن ثم يجول في قصر العرش الذي يضم قاعة مهيبة ويتجول في حمّام القلعة التاريخي ويشاهد جامعها الكبير الذي ترتفع مئذنته فوق القلعة بنحو 21 متراً لتطل على كامل المدينة ومن ثم سيشاهد جامع القلعة الصغير والذي يسمى جامع إبراهيم كما سيصطحبه الدليل السياحي والموظف في القلعة مع زوارها الكثر إلى أحد مباني القلعة الذي افتُتح قبل سنوات كمتحف خاص بها حيث سيشاهد مجموعة من التماثيل والمقتنيات الأثرية التي اكتشفت في القلعة من قِبل بعثات التنقيب وعرضت في هذا المتحف الخاص، كما سيشاهد مسرحها الذي بُني قبل ثلاثين عاما وروعي في بنائه فن العمارة اليوناني والروماني بعد انتهاء جولته داخل القلعة ويخرج منها ليرى الخندق الكبير الذي يحيط بها على مسافة 500 متر وليقوم بعد ذلك بالجلوس في محيط القلعة حيث تنتشر المقاعد الحجرية ومحلات بيع الشرقيات، وستكتمل متعة زيارته للقلعة عندما سيجلس أمامها في استراحة «تراثية» كانت عبارة عن مبنى ملحق بالقلعة بناه إبراهيم باشا عام 1834م، وفي هذه الاستراحة سيستمتع السائح كثيراً وهو يرتشف كوب شاي أو فنجان قهوة يطلبه من محلات الخدمة في محيطها التي أنشئت قبل سنوات بشكل تراثي يتناغم مع بناء القلعة وطرازها المعماري الفريد ويتلاءم مع المباني التاريخية المحيطة بالقلعة، وقد حرص أصحاب هذه المحلات على تحويلها إلى مقاهٍ واستراحات متكاملة تقدم كل ما يحتاجه زائر القلعة والسائح حيث هناك الطاولات والكراسي والمظلات لتقي الجالس أشعة الشمس في الصيف وأمطار الشتاء، ويمكن للسائح في حال قرر الاستمتاع أكثر بزيارته للقلعة ومحيطها أن يجلس ساعات وساعات في هذه الاستراحات.

مشروعات تطوير محيط القلعة

القاعة البيزنطية

ولأهمية محيط القلعة وما يقدمه من خدمات للسياح فقد انطلقت منذ سنوات أعمال ترميم وتحسين لكل ما هو محيط بالقلعة وبطول 400 متراً من مبانٍ وأسواق في مشروع تراثي تنفذه محافظة حلب بالتعاون مع مؤسسة الآغا خان الدولية والوكالة الألمانية للتعاون الفني. ومن المباني التي ترمم حاليا بجانب القلعة مبنى مدرسة التمريض الذي سيستثمر بعد انتهاء أعمال ترميمه وإصلاحه إلى فندق «كارلتون» بخمس نجوم، وهناك مبنى آخر سيحول إلى فندق تراثي من قِبل مؤسسة الآغا خان الدولية، ومعظم المباني تعود إلى عشرات السنين ومبنية بثلاث طبقات.

وتم أخيراً إطلاق مشروع تجميل مبنى «المطبخ العجمي» المحيط بالقلعة حيث سيفتتح نهاية العام الحالي بعد ترميمه من قبل أحد المستثمرين وسيتسع المطعم لـ215 كرسيا، ويقترح الكثير من مثقفي حلب والمهتمين بسياحتها وتاريخها إقامة مهرجان سياحي سنوي احتفاء بالقلعة يكون اسمه «مهرجان قلعة حلب الدولي» ولمدة عشرين يوما بحيث تقام فعالياته من حفلات موسيقية وعروض مسرحية وعروض لفرق تراثية وفلكلورية دولية ومحلية على مسرح القلعة وفي محيطها خصوصا أن مسرحها استقبل في السنوات الماضية مهرجانات وفعاليات فنية وسياحية كثيرة كان أبرزها مهرجان الأغنية السورية وهو عبارة عن سباق بين هواة الطرب لإبراز مواهبهم أمام جمهور مدينة حلب المعروف بتذوقه للطرب الأصيل.

شارك برأيكإلغاء الرد