رُبّما يكون أكثرنا رأى هذه النّافورة من قبل أثناء مُشاهدة الرّسوم المُتحرّكة الإيطاليّة المُدبلجة إلى العربيّة، لكنّ الغالبيّة العُظمى منّا لم يكُن يعلم أنّه أمام رسمٍ مُصوّرٍ لـ “نافورة تريفي”، أو “فونتانا دي تريفي” كما تُسمّى باللغة الإيطاليّة حيث موطن التحفة السياحيّة التي تمّ بناؤها في روما عام 1762م، لتكون وتبقى أكبر نافورة في المدينة بارتفاعها الذي يبلغ 26 مترًا، واتساعها الذي يصل إلى 20 مترًا، وأشهر نافورة في تاريخ الفن، والأدب، والآثار، والسياحة الأوروبيّة.
لمحة تاريخيّة:
يحكي التّاريخ الإيطالي القديم أنّ فتيات روما من الآنسات كُنّ يأتين إلى النّبع الذي سبق بناء النافورة في المكان ذاته على أمل أن تتحقق أمنيتهنّ بالزّواج، ومن هُنا ارتبطت به كلمة “تريفي” التي تعني “عذراء” باللغة الإيطاليّة، كما كانت تأتيه السيّدات اللواتي لم يوهبن نعمة الإنجاب على أمل تحقق أمنيتهنّ بالأمومة، ومن هنا بدأ تاريخ الأساطير التي بدأت تحوم حول النّافورة، وعلاقتها بتحقيق أمنيات زائراتها وزائريها حتّى اليوم. وثمّة أسطورة أخرى تعتبر أكثر انتشارًا في المجتمع الإيطالي، وهي تتعلّق بحكاية العذراوات الثلاث اللواتي خلّدتهن الحضارة الرّومانيّة في الأساطير الشهيرة القديمة كرمزٍ تاريخي دائم للخصوبة والنّقاء والجمال، فارتبط اسم النّافورة بهن منذ قرون.
بنيت النافورة في القرن التاسع عشر قبل الميلاد في عهد الملك ” أقريبا”، وكان الهدف الأساسي من فكرة بنائها هي وجود مكان تتجمع فيه المياه الجارية عبر القنوات المعلقة في روما، قبل أن يأمر البابا ” نيكولو الخامس” المهندس الفنّان” ليون باتيسيا البرتي” بترميم النافورة واستكمال بناء الحوض المخصص لتجمع المياه المنصبة من تلك القنوات في القرن الخامس عشر الميلادي. إلى أن جاء الفنّان الإيطالي “نيكولو سالفي” لينحت تماثيلها المرمريّة الرامزة لمعالم من الأساطير المعنويّة الرومانيّة في القرن الثامن عشر الميلادي.
الرمزيّة الفنيّة للنافورة:
اختير مكان النّافورة تحت قصرٍ ضخمٍ عتيق يؤكّد على أمجاد روما الهندسيّة، والثقافيّة، والمهنيّة أثناء القرون الوسطى. يقف تمثال “نبتون” الشخصيّة الأسطورية الشهيرة على عربةٍ يجرّها حصانان، وتُحيط بها عذراوات الأسطورة الثلاث، فيما تمثّل البركة التي ينهمر فيها الماء غزيرًا المُحيطات المائيّة على الكرة الأرضيّة، ودائرتها البيضاويّة تُشير إلى الفصول الأربعة في تقلّباتها، وتغيّرات أحوال العالم الطبيعيّة.
ورغم أنّ القصر الذي بنيت تحته النافورة يُعتبر من روائع المعمار الفني والأثري الإيطالي؛ إلا أنّ السيّاح لا يسمح لهم بزيارته أو استكشافه من الدّاخل، وأقصى ما يُمكنهم هو السياحة ببصرهم على واجهته الخارجيّة، والتقاط بعض الصور التذكاريّة لمعماره الهندسي البديع.
أسطورة سياحيّة ثريّة:
مازالت تلك النّافورة تتمتّع بمهابة أسطورتها الجذّابة للسيّاح، والتي تؤكّد أنّ كلّ من يُلقي بقطعة نقود مُتمنيًا بأمنية سيحظى بفرصة تحقق أمنيته الخاصّة، شرط أن يلحقها بأمنيةٍ أخرى صادقة وهي العودة إلى النّافورة لشكرها مُجددا بقطعة نقديّة أخرى إن تحققت أمنيته الأولى. ولأجل هذه الأسطورة مازال الزوّار يلقون بقطعهم النقديّة المعدنيّة يوميًا في بركة النّافورة على أمل تحقق أمنياتهم الكبيرة والصغيرة بسخاء. وقد قُدّر المبلغ الذي تجمعه الجهات المتخصصة ليلة الإثنين من كُلّ أسبوع بحوالى ثلاثة آلاف يورو، تتعرّض بين حينٍ وآخر لمُحاولات سرقةٍ مُتعمّدة، الأمر الذي يجعل منها أشد النّوافير المائيّة ثراءً على وجه الأرض. وتجدُر الإشارة إلى أنّ المال الذي يتم جمعه من بركة النّافورة يُستخدم لصالح دعم سوق المُحتاجين في مدينة روما كعملٍ خيري.
إقرأ أيضا : مدينة روما، الفنادق في روما
[ad#Ghada Links]