يحتفل الأمازيغ في منطقة شمال إفريقيا بعامهم الجديد 2964 ، هو الموافق لعام 2014 من السنة الميلادية، لكن التأريخ الأمازيغي سابق بتسعمائة وخمسين سنة..إن كنت تتساءل عن هذا التقويم فإن المعلومات التاريخية مختلف فيها بعض الشيء، ولكن يبقى الإحتفال بيوم 13 من شهر جانفي يجمع كل شعوب المغرب العربي أمازيغا وعربا.

احتفال شعبي مميز .. إحدى القرى السبع لبني سنوس في تلمسان ، الجزائر

تختلف التسميات في أرجاء شمال إفريقيا، فالعرب أو المستعربون يطلقون على الاحتفال اسم “العام” يعني العام الجديد، أما في المناطق المغربية تختلف التسميات بين (إض ن ناير) أو (إض ن ؤسكّاس) حاكوزا أو لحوادس، وفي الجزائر (تاكًّورت ن ؤسكًّاس) أو (تابّورت ن ؤسكًّاس) أو (أنّاير). وأصبح اليوم المصطلح الشائع بين الأمازيغ والعرب على حد سواء (ينّاير) كما يستعمل الأمازيغ (ئض ن ؤسكًّاس أمازيغ) أي رأس السنة الأمازيغية.

تعتبر السنة الأمازيغية سنة فلاحية تنطلق من ليلة 13 من شهر يناير وهي مثل التقويم الغريغوري الذي ينطلق من 14 يناير تقويم شمسي فلاحي خاضع لتعاقب الفصول الأربع نتيجة فعل دوران الأرض حول الشمس، وقد تراجع الناس من الاحتفال بها إلى يوم واحد بعدما كانت تدوم 3 أو 5 أو حتى سبعة ايام بحسب طقوس كل منطقة.

أما بخصوص المناسبة التي يقال أنها بداية التقويم الأمازيغي فهناك قصص عن الملك “شيشنق” الأمازيغي الذي وصل إلى هرم السلطة الفرعونية سنة 950 قبل الميلاد،وقد كان شيشنق خليفة لقائد عسكري في مصر، وهناك اختلاف بين وصوله السلطة بطريقة سلمية بعد استغلال ضعف السلطة المصرية، أو أنه كانت هناك معركة قيل أن رحاها جرت في منطقة “بني سنوس” قرب تلمسان الجزائر، حيث يقام سنويا وإلى حد الآن (كرنفال إيرار) وإيرار تعني الأسد.

تشكل بني سنوس في ولاية تلمسان أفضل الأماكن لحضور أجمل طقوس الاحتفال برأس العام، المنطقة تعرف بـ “القبايل” لدى عامة الناس، وهي مجموعة من سبع قرى تقع على بعد 30 كلم عن مدينة تلمسان، تتزين هذه القرى إستعدادا للناير لتكون نكهة الاحتفال به مميزة أكثر من أي منطقة أخرى، حيث يجوب الشباب من كل قرية منازل قريتهم ومنازل المنطقة الجبلية المحيطة على مدار ثلاثة أيام كاملة، يجدون أبواب البيوت مفتوحة بلا استثناء فيتلقون الهدايا والأطعمة، والتي يوزعونها لاحقا على العائلات الفقيرة في كل دشرة، وفي نهاية الاحتفال الذي يبدأ من العشاء إلى لحظة الفجر على مدار الأيام الثلاثة، يرفع الدعاء الجماعي لكل من حضر احتفالية (ايراد) بالخير لأبناء الدشرة وللبلاد والعباد.

وفي كامل مناطق المغرب العربي من ليبيا في مناطقها الأمازيغية وفي كل تونس والجزائر والمغرب (إضافة إلى مناطق الدياسبورا الأمازيغية أي المهاجرين الأمازيغ) دأبت الجمعيات الثقافية والسياحية على إحياء المناسبة بطابعها التراثي والثقافي من خلال إقامة عدة تظاهرات وبرامج ثرية من الاحتفالات وإحياء بعض التقاليد الأمازيغية المعروفة والمختلفة بين كل منطقة وأخرى.

شنيني .. واحدة من أجمل المناطق الأمازيغية الساحرة في تونس

من المعارض التي تنتشر نجد معارض الأطباق التقليدية لأن المناسبة في أصل احتفال السكان بها عادة ما تكون بإعداد أطباق مخصصة للمناسبة ومميزة. وإضافة إلى المعارض التي تعرض كل أنواع الطعام الموجود في كل بلد، هناك فعاليات لمأدبات عشاء وطاولات تقليدية، كما أن هناك معارض للملابس التقليدية والأدوات الحرفية المستعملى في شتى مناحي الحياة كأنواع الأفرشة والزرابي والنسيج والأواني الفخارية التي تختلف بين كل منطقة وأخرى وهي مناسبة للتعريف بكل واحدة في هذه المعارض التي تقام في كل مدينة احتفاء بالمناسبة.

تتضمن المعارض الصور الفوتوغرافية التي تحتوي بخاصة على مناظر عمرانية تحكي صنائع الانسان البربري، أو صورا من حفلات الزفاف و اللباس التقليدي المطرز بأشكال هندسية ورموز متنوعة مستوحاة من الثقافة الأمازيغية لأهل المنطقة إلى جانب الأساور والحلي المتعددة الأشكال والألوان. وتحتل العروض الفلكلورية الراقصة والأغاني الشعبية أماكنها من الاهتمام سواء في مسيرات في شوارع بعض المدن أو حفلات وعروض داخل القاعات.

أهم أنواع الطعام التي يفخر بها جميع السكان في شمال إفريقيا الكسكسي باختلاف أطباقه وما يقدم معه من اطعمة أخرى، وخاصة زيت الزيتون والدجاج والبيض، (سّكسو بسبع خضاير) أي الكسكس المهيأ بسبعة أنواع من الخضر، (بركوكس د ؤملو) وهو عبارة عن كسكس غليظ يسقى بزيت الزيتون، (بركوكس د ؤملو د تامّنت) الذي يسقى بالعسل أيضا.

معارض للأطعمة المغاربية بمختلف أصنافها

التريدة هي الأخرى وجبة مشهورة وهي من أنواع الرقائق الخاصة (تشبه الخبز الشامي) ولكنها تقطع وتسقى بإدام الدجاج وترفق بلحومها، أما (أوركيمن) فهي خليط من الحبوب المجففة وسيقان الغنم أو المعز المطهوة طيلة اليوم تحت نار هادئة. الشرشم والدقاق والشخشوخة والرشتة وغيرها هي أسماء أكلات جزائرية من الغرب والشرق تحضر خصيصا في هذا اليوم حيث الاحتفال يكون فرصة لتجمع الأسرة حول مائدة واحدة.

يحيي سكان منطقة القبائل في الجزائر، رأس السنة بذبح ديك عن الرجال ودجاجة عن النساء ودجاجة وديك عن الحامل ويعتبرون ذلك واقيا من الحسد والعين، وتقوم النساء بتحضير ”سكسو” أو ”الكسكس باللحم” كما يخرجون في عائلات إلى الحقول للتبرك بالطبيعة، حيث يكون فصل الشتاء في عنفوانه.

البغرير أو (إدرنان) رغائف رقيقة متنوعة الأشكال والمواد التي تعد بها، أما (لبسيس) فهي نوع من الحلوى بدقيق خاص ممزوج بأنواع من النباتات الطبية والزكية، إضافة إلى الكثير من الأطعمة الأخرى التي تعتبر ميزة المطاعم المغاربية، ولعل المطعم المغربي اشتهر في العالم بفضلها جميعا.

أما (الدراز) وهو أجمل الأمور التي تزين الشوارع أياما قبل ليلة 13 يناير، حيث تنتعش تجارة المكسرات والحلويات وتنتشر محلات وطاولات بيعها، (الدراز) هو مجمموعة من كل ذلك يتم رميها على أصغر فرد في العائلة بعد العشاء حيث تكون السهرة جلسة على مائدة الشاي، يوضع الطفل داخل قصعة كبيرة ويتم رمي الحلوى فوقه، كفأل خير بأن تكون أيامه حلوة وطيبة.

معرض للوسائل اليومية في الحياة الأمازيغية التقليدية.. ليبيا

يعتبر الاحتفال بليلة 13 يناير شيئا من التراث اللامادي لمنطقة المغرب الكبير ، فسواء كانت الليلة هي رأس السنة الأمازيغية كما يريدها المناضلون الأمازيغيون أو أنها مجرد رأس سنة فلاحية يحتفل بها جميع سكان المنطقة كما يقول آخرون. إلا أنها تبقى مناسبة موحدة لاحتفالات تراثية وثقافية، تجذب في بعض المناطق سياحا محليين أو عالميين لمشاهدة والتعرف على التراث المادي واللامادي البربري.

شارك برأيكإلغاء الرد

التعليق

  • تاريخ الناير
    الناير لا علاقة له بالوثنية، بل هو عيد رأس السنة الميلادية حسب تقويم جوليان القديم، وأول من احتفل به الأندلسيون، ثم انتقل إلى الغرب الجزائري وشمال المغرب. أما شيشنق فلم يعرف الجزائر ولا هو بربري بل مصري من إهناسيا بمحافظة بني سويف غرب مصر، المنطقة الصحراوية ذات الأصول الليبية، ولم يقم بحرب، بل اعتلى العرش سلميا لأنه مصري وكان يعيش في القصر. فالمصريون هم أولى به من غيرهم، ومع ذلك فهم يسخرون من هذه الخرافة.
    ولمعرفة أصل الناير، اقرأ الصفحة 153 من هذا الكتاب:
    https://www.facebook.com/mouwachahat