المساجد عنصر مشترك في تجمعات المسلمين حيثما حلوا، فما إن يجتمع المسلمون ويبدأون في تخطيط مدنهم حتى يكون المبنى الأول هو المسجد مكان للعبادة والتعليم والتواصل. وبمرور الوقت تحول من جدران من الخشب أو الحجر أو جذوع النخل وسقف بسيط إلى آيات لفن العمارة؛ فمساجد الصين أو الهند تختلف عن إيران أو تركيا أو مصر والشام، بالرغم من عناصر مشتركة كالقباب والمآذن والمنابر والمحاريب لكن يبقى لكل مسجد مكانته الخاصة.

وإن كانت المساجد مباني صامتة إلا أنها تروي حكايات وقصص ما مر ومن مر بها، فهي كأي عنصر تعكس قوة دولة في وت ما أو ضعفها، أو تيير حدث أو تعبر عن اتجاه معين. ويبقى أهم من مبنى المساجد معناها العظيم كبيوت الله وما تحتضنه من تسابيح ومناجاة المؤمنين لخالقهم عز وجل. وفي هذا الموضوع نرتحل بالصور بين مساجد مختلفة من أندونيسيا إلى الأندلس مروراً بالهند والعراق ومالي. وإن كانت الرحلة لا تمثل كل تنوع العمارة الإسلامية.

1. المسجد الأموي في دمشق
المسجد الأموي ، دمشق ـ سوريا

جامع الأمويين الكبير وقبة النسر في دمشق ليلاً

عندما أراد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بناء مسجداً في عاصمة الخلافة الأموية دمشق، أراد أن يميزه بين مساجد العالم، وكان له ما أراد. يقع المسجد الأموي أو جامع بني أمية الكبير في قلب البلدة القديمة لدمشق، وللأرض التي شُيد عليها المسجد تاريخ قديم يعود لنحو 1200 عام قبل الميلاد؛ حيث أقيم عليها معبداً رومانياً ثم كنيسة “يوحنا المعمدان”، ومع الفتح الإسلامي للشام تقاسم المسلمون والمسيحيون الكنيسة، وعندما بناء المسجد رضى المسيحيون بيع نصيبهم، وللمسجد اليوم ثلاث مآذن، العروس وعيسى وقايتباي، وأربع أبواب وقبة كبيرة تُعرف بالنسر وثلاث قباب، ولوحات جدارية ضخمة من الفسيفساء وقاعات ومتحف، وفي داخلة ضريح النبي يحيى عليه السلام، ومشهد لسيدنا الحسين رضي الله عنه، وبالقرب يرقد صلاح الدين الأيوبي، والكثير من مقامات رجال ومشاهير الإسلام.  *الصورة: (Travel Aficionado)

2. الملوية في سامراء، العراق

المئذنة الملوية في سامراء العراق

المئذنة الملوية هي أبرز ما تبقى من جامع سامراء في العراق الذي بناه الخليفة العباسي المتوكل عام 237 هـ، وتمثل بذاتها طراز فريد في المآذن؛ فهي ترتفع لنحو 52 متر على قاعدة مربعة يعلوها جزء إسطواني، يحيط بها من الخارج سلم حلزوني يدور خمس دورات عكس اتجاه عقارب الساعة، ومما مر بها في عمرها الذي يتجاوز الألف عام محاولة تفجير عام 2005 وشهدت بعدها محاولات لإعادة رونقها. ولا يشبه طراز المئذنة الملوية سوى عدد محدود كجامع أبي دلف في “المتوكلية” الذي لا تبعد كثيراً عن سامراء وإن كانت مئذنته أصغر، ومئذنة مسجد أحمد بن طولون في القاهرة.

3. جامع ومدرسة السلطان حسن

إيوان القبلة في جامع السلطان حسن ويظهر المحراب والمنبر الرخامي

من بين مساجد القاهرة، ذات الألف مئذنة، يُعد مسجد ومدرسة السلطان حسن درة تاج العمارة الإسلامية في مصر، يجمع بين ضخامة البناء وعظمته ورقة النقوش والزخارف. ووُصف المسجد وقت بناؤه حوالي عام 1363 م بأنه ” لا ثاني له في مصر ولا في غيرها من البلاد في فخامة البناء ونباهته”.

أنشأه السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون من دولة المماليك، ويمتد على مساحة 7906 متر مربع، ويتميز بارتفاع مدخله الرئيسي لـ 37 متر، وينقسم صحن المسجد إلى أربع إيوانات متقابلة، أهمها إيوان القبلة، وفيه أربع مدارس لتدريس المذاهب الأربعة الكبرى.

4. تونس.. جامع الزيتونة

جامع وجامعة الزيتونة في تونس

جامع وجامعة الزيتونة في تونس أول جامعة في العالم الإسلامي تفتح أبوابها للطلبة والباحثين عن العلم، وثاني مساجد تونس بعد القيراون، واختلف المؤرخون حول تاريخ إنشاء المسجد، ومن أنشأه، فالبعض ينسبه إلى عام 116 هـ، والبعض الآخر إلى سنة 79 هـ.

ومن أهم جماليات المسجد قبته المزخرفة على الطراز الأموي، ومئذنته مغربية الطراز. ولكن ليس المعمار والقدم فقط يميزان جامع الزيتونة، لكن الأهم دوره التعليمي والحضاري، وعشرات الأئمة والمصلحين والعلماء الذين تخرجوا منه، وظل لقرون إلى جانب الجامع الأزهر والأموي والقرويين منارة لتدريس الشريعة واللغة العربية والإسلام. *الصورة: (Alexandre Moreau Photography)

5. مالي.. مسجد جينيه

مسجد جينيه الكبير في مالي

يبدو مسجد جينيه الكبير في مالي متسقاً مع محيطه، وفي نفس الوقت حاملاً لتاريخ المدينة العريق؛ فقد ظلت مدينة جينيه ومالي عموماً مركزاً لنشر الإسلام وتدريس القرآن وعلومه في قارة أفريقيا. وهو مصنف كأكبر مبنى في العالم من الطين اللبن، وتتميز الجدران الطينية بأنها تقي الداخل من الحرارة طوال اليوم، وعندما يحل المساء والبرد تكون قد امتصت من الحرارة ما يكفي لتدفئته. وللمسجد ثلاث مآذن، ويميزها عن المآذن المعتادة أنها مربعة، وتنتهي كل منها بمخروط يحمل بيضة نعامة.

6. أندونيسيا.. مسجد ديماك الكبير

مسجد أجونج ديماك في جاوة من أقدم مساجد أندونيسيا

من بين مساجد أندونيسيا، الدولة الأكبر في عدد سكانها المسلمين، يُعد مسجد أونج ديماك أو ديماك الكبير في جزيرة جاوة من أقدمها، ويُعتقد أنه بني على يد دعاة الإسلام الأوائل الذين لقبوا بأولياء الله التسعة، وإلى الآن يحرص الأندونسيون على زيارته قبل الانطلاق في رحلة الحج. ورغم تجديد مسجد ديماك عدة مرات خلال تاريخه إلا أنه ظل محتفظاً بمعماره الأصلي، كمثال على العمارة الإسلامية في جاوة، والمبني من الخشب وبدون قبة، وينقسم السقف إلى ثلاثة مستويات على غرار المعابد الدينية الهندوسية والبوذية.

7. الصين.. مسجد شيان الكبير

مدخل مسجد شيان الكبير في الصين

مسجد شيان الكبير في مدينة شيان واحد من أقدم مساجد الصين، ويعود لعام 742 م، ولايزال يحتظ بشكله الأول ونمطه الصيني الخالص بدون قباب أو مآذن باستثناء بعض الكتابات والنقوش العربية، وإلى الآن يقصده المسلمون للصلاة بجانب زيارات السائحين.

8. الهند.. تاج محل

ضريح تاج محل في أجرا

يُعتبر ضريح ومسجد “تاج محل” في أجرا في الهند درة العمارة اسلامية في الهند وباكستان، وقد شيده الإمبراطور “شاه جهان” تكريماً لزوجته “ممتاز محل”، واستغرق البناء 22 سنة، وجدران المبنى من الرخام الأبيض وكتبت عليه آيات من القرآن الكريم باللون الأسود، وقد تم ترصيع وتزيين الجدران بالأحجار الكريمة والعقيق وزهور عباد الشمس وأحجار الفيروز. كما يوجد بالداخل مسجد وقصر. *الصورة: (ironmanixs)

9. الأندلس.. جامع قرطبة الكبير

جامع قرطبة الكبير من الداخل

ما إن تُذكر الأندلس وقصورها ومساجدها حتى تتوارد إلى الأذهان عبر وحكايات من ثمانية قرون مثلت عمر دولة الإسلام هناك. وجامع قرطبة الكبير، واحد من الروائع المعمارية في العالم، وشاهد على رقي فن وهندسة البناء لدى المسلمين.

يرجع تأسيس جامع قرطبة الكبير إلى عهد عبدالرحمن الداخل في سنة 785 م، عندما اتخذ بنو أمية قرطبة عاصمة للخلافة الأموية في الأندلس، حيث شاطر المسلمون المسيحيون قرطبة كنيستهم، وحينما ازدحمت المدينة بالمسلمين اشترى عبد الرحمن الداخل شطر الكنيسة، واستمر بناؤه والتجديد يه لنحو قرنين من الزمان، وبمجرد سقوط الأندلس تحول لكنيسة، ونصبت الأجراس فوق مئذنته الشاهقة. *الصورة: (Frederic Dupuis)

10. تركيا.. السلطان أحمد

جامع السلطان أحمد في إسطنبول ومآذنه الست

لا تكتمل الرحلة بدون الطراز العثماني، ومن أبرز شواهده مساجد تركيا مثل جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق في إسطنبول المقابل لمتحف آيا صوفيا. بُني المسجد بين عاميّ 1609 و 1616 م، وله سور مرتفع، بخمسة أبواب تؤدي إلى صحن المسجد و قاعة الصلاة. وتعلو المسجد قبة كبيره يحفها أربعة أنصاف قباب، كما أن كل ركن من أركان المسجد مغطى بقباب صغيرة بها عدد كبير من النوافذ المنفذة للضوء. وللمسجد ست مآذن لاقت صعوبات في تشييدها؛ إذ كان المسجد الحرام يحتوي على ست مآذن، وكان الحل بناء المئذنة السابعة في المسجد الحرام. *الصورة: (DarkB4Dawn)

[ad#Ghada Links]

شارك برأيكإلغاء الرد