كعادة جوجل الحسنة في التذكير بعظماء من مختلف البلدان والعصور رحلوا عنا، احتفى اليوم محرك البحث الشهير بالذكرى 707 لميلاد محمد بن عبدالله بن محمد الطنجي، الرحّالة المسلم الشهير بابن بطوطة أحد أهم رحالة العالم على مر العصور، الذي ولد في مثل هذا اليوم 25 فبراير عام 1304م.
اشتهر ابن بطوطة برحلاته التي امتدت لثلاثين عام، قطع فيها مسافة تزيد عن 121 ألف كيلومتر في ثلاث قارات، وبها ظل متفوقاً على غيره من الرحالة والمستكشفين قبل القرن الثامن عشر واختراع المحرك البخاري. وزار خلال رحلاته معظم أجزاء العالم الإسلامي، شاملاً بلاد المغرب، وغرب أفريقيا، وشمال أفريقيا، والحجاز، وبلاد الشام، وإيران، وآسيا الوسطى، والصين، وجنوب شرق آسيا، وجنوب ووسط أوروبا.
ابن بطوطة هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف اللوائي الطنجي، وُلد في مدينة طنجة بالمغرب، ويمتد نسبه إلى قبيلة لواتة البربرية، واشتهرت أسرته باشتغال كثير من أبنائها بالقضاء والعلوم الشرعية.
انطلق في أول رحلاته عام 1325 حين كان في الحادية والعشرين من عمره، تدفعه رغبته في أداء فريضة الحج والتعلم، بجانب شوقه إلى المغامرة والمعرفة ورؤية أحوال الناس والبلاد الأخرى من حوله، ومع ذلك كله حب للاكتشاف والسفر وإرادة قوية.
بدأ ابن بطوطة رحلته من مسقط رأسه طنجة نحو الشرق عبر الجزائر، ثم تونس وليبيا، وصولاً إلى الأسكندرية في مصر، ومنها اتجه جنوباً إلى القاهرة ثم إلى صعيد مصر حتى وصل إلى ميناء عيذاب على ساحل البحر الأحمر، ثم عاد إلى القاهرة وتابع رحلته إلى مكة المكرمة عن طريق بلاد الشام.
وبعد أداء فريضة الحج، اتجه إلى العراق وإيران وبلاد الأناضول، ثم عاد إلى مكة المكرمة وحج للمرة الثانية وبقى فيها سنتين. وبعد ذلك اتجه ابن بطوطة إلى بلاد الروم، ومنها عاد إلى مكة ليحج للمرة الثالثة، ثم قطع البحر الأحمر فوصل إلى وادي النيل كي يحاذيه باتجاه الشمال قاصدًا سوريا، ومن اللاذقية قصد آسيا الصغرى، وتوغل حتى بلاد روسيا الشرقية، ووصل إلى بخارى وبلاد الأفغان، إلى أن وصل إلى دلهي على نهر الغانج فاستقر بها مدة عامين، عمل خلالهما قاضيًا للمذهب المالكي الذي تعلم أصوله قبل مغادرته طنجة.
وبعدها استمر في رحلته ليصل إلى بلاد الهند الشرقية وجزر إندونيسيا، ثم قفل إلى الجزيرة العربية عن طريق سومطرة والهند، وسافر مرة أخرى إلى بلاد فارس عن طريق ميناء هرمز، ثم سافر إلى العراق فبلاد الشام، فمصر، وواصل رحلة العودة إلى بلاده عبر مصر وتونس والجزائر حتى وصل فاس، وبعد أن قام فيها مدة عام، قام برحلة عام 1350 إلى غرناطة بالأندلس في أسبانيا، ثم رجع إلى فاس ليقوم بعدها برحلته الأخيرة إلى غرب إفريقيا عام 1353م، فزار تومبوكتو في مالي، ومنها عاد إلى المغرب ليستقر هناك حتى وفاته عام 1369.
وخلال هذه الرحلات الممتدة، التي تتوزع محطاتها على 44 دولة من دول العالم المعاصر، شهد ابن بطوطة بنفسه كثير من الحوادث وعادات الشعوب والأقوام، فأصبح لديه حصيلة من الحكايات مثل بعضها صدمة له ولأهل عصره دفع البعض للتشكيك في بعضها، لكنها شهادة نادرة عن عصره. وسجل رحلاته في أثره الوحيد كتاب “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” الشهير باسم “رحلات ابن بطوطة” والذي دونه بناء على طلب السلطان المغربي أبو عنان فارس المريني الذي أعُجب برحلاته، وطلب منه أن يمليها على كاتبه محمد بن جزيّ الكلبي.
ولرحلات ابن بطوطة وما دونه في كتابه أهمية كبيرة لعرضها صورة معظم أرجاء العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الميلادي، ولشمولها عدد كبير من البلدان والثقافات المختلفة مثل الصين والهند وجنوب شرق آسيا، ورواية ابن بطوطة للكثير من المعلومات الجغرافية والتفاصيل الدقيقة عن حياة الشعوب والبلدان التي زارها، وهو ما ظهر في احتفاء المؤرخين والمستشرقين بها بعد ترجمتها في القرن التاسع عشر وإلى الآن.