Booking.com

ما أن تحتضن جُدران بيت القُرآن الدّاخل إليه؛ حتّى تلفّه أحاسيس روحانيّة تملأ النّفس البشريّة بالسّكينة، وتُصافح روحه صورةً نادرةً من صور الجمال الإسلاميّ الأصيل. وسُرعان ما يغيب كيانه المعنويّ في عالمٍ أشبه بالخُرافة حين تتقدّم خطواته قليلاً نحو حُجرات المخطوطات القُرآنيّة العريقة، التي شاء الله تعالى أن تبقى صفحاتها الكريمة شهادةً كُبرى على تاريخ اللوح المحفوظ طوال قرونٍ مضت.

مبنى متحف بيت القرآن، البحرين ـ المنامة
واجهة “بيت القرآن” بمأذنته الرشيقة (1)

بمأذنة انسيابيّة شاهقة، وواجهةٍ مِعماريّة تجمع بين الفنّ الإسلاميّ وبساطة الموروث العربيّ الخليجي يرتفع مبنى بيت القرآن شامخًا في قلب مدينة المنامة البحرينيّة، كواجهةٍ ثقافيّة إسلاميّة تُرحّب بزوّارها من مُختلف أرجاء المَعْمورة. وسُرعان ما يُلاحظ الزّائر مُراعاة اليد التي صمّمت المبنى ضرورة تماشي الطّراز المعماريّ الإسلاميّ الأنيق والمريح للنّظر في الوقت ذاته مع الأجواء العصريّة الحديثة، حيث تتوزّع حجرات المبنى بهندستها الفريدة في صالةٍ رحبةٍ تتوسّطها نافورة مياه فسيفسائيّة التّشكيل، لتُضفي على المكان جمالاً بصريًا وصوتيًا خلابًا يُعزّزه ضوء النّهار المُتدفّق إلى الصّالة عبر عشرين فتحةً من الزّجاج الشّفاف والزّجاج المعشّق، إلى جانب التّفاصيل الرّاقية للمنحوتات الخشبيّة، والآيات القُرآنيّة المرتسمة على زوايا الصّالة الواسعة.

بدأ تشييد بيت القُرآن عام 1987م، وتم افتتاحه رسميًا على يد المؤسّس والأمين العام للمركز الدكتور عبداللطيف جاسم كانو يوم الإثنين 12 مارس 1990م. وجديرٌ بالذّكر أنّ حماس الدّكتور عبد اللطيف كانو في جمع النّسخ النّادرة من المخطوطات القُرآنيّة، فضلاً عن شغقه بالتّاريخ، واعتزازه بالتّراث الإسلاميّ العريق كان وراء فكرة تأسيس بيت القُرآن، لتكون الثّروة القرآنيّة التي حَرصَ على جمعها من قبل ثمّ أهداها لاحقًا لمُتحف بيت القرآن بمثابة النّواة الأولى واللبنة الأساسيّة لما أضيف إليها من نفائس فيما بعد.

يُعتبر “مُتحف الحياة” هو القسم الرّئيسي في المبنى والهدف الأوّل من تأسيسه. ويتكوّن من عشرٍ قاعاتٍ تمّت هندستها بطريقةٍ تلائم المخطوطات المعروضة التي صمّمت لأجلها لتتوزّع على طابقين متّصلين. ويسمح التّصميم الفريد بتنقّل الزّائرين بين القاعات والطّابقين عبر ممرّات تجعل من التجوال أمرًا مُريحًا بالغ السّهولة.

من معروضات متحف بيت القرآن، البحرين ـ المنامة
أكبر نسخة من المصحف الشريف في متحف بيت القرآن

تزخر تلك القاعات بمجموعات نادرة من المخطوطات القرآنيّة الكريمة المعروضة بطريقة تليق بمكانة آياتها الشّريفة، والتي يرجع تاريخ أقدمها إلى القرن الأوّل الهجري، وصولاً إلى نماذج من أحدث المخطوطات التي خُطّت في عصرنا الحديث. ولا يسع الزّائر إلا أن ينبهر أمام ما يراه للمرّة الأولى من مخطوطات نادرة كُتبت في عصور إسلاميّة سابقة؛ استقبلها المتحف عن طريق الإهداء أو الإعارة من أقصى العالم الإسلامي في الأندلس وشمال أفريقيا وصولاً إلى شرق آسيا والصّين. منها أكبر مُصحف في العالم؛ تُشير بطاقة المعلومات المثبّتة على عارضته الزّجاجيّة أنّه كُتب في القرن الثّامن عشر الميلادي على أرض الهند، إلى جانب مَصَاحف صغيرة جدًا ترافقها عدسات مُكبّرة لاستحالة قراءتها بالعين المُجرّدة. ومنها أوّل نسخة من القرآن كُتبت في عهد الخليفة عثمان بن عفّان دون تنقيط أو علامات تشكيل، وأوّل نسخة مطبوعة من القرآن الكريم، وأقدم نسخة مترجمة من القرآن إلى اللغة اللاتينيّة.

ومن أعجب ما لا يستطيع الزّائر نسيانه؛ هو عارضة زجاجيّة تحفظ مجموعة من الحبوب النّباتيّة الصّغيرة التي خطّت على بعضها سورًا قصيرة كاملة من القرآن الكريم على أرض باكستان قبل أن يحتضنها المُتحف في البحرين.

من معروضات متحف بيت القرآن، البحرين ـ المنامة
“هو الذي سخر لكم البحر…” ـ سورة النحل، 16: كُتبت على الزجاج بشكل سمكة

كما يضم المبنى مكتبة الفُرقان التي تقع في الطّابق الثّاني، وتتألّف من طابقين يضمّان قرابة خمس وعشرين ألف مُجلّدٍ ديني وعلمي وأدبي باللغات العربيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة، إضافةً إلى إمكانيّة الاتّصال بشبكة الإنترنت طوال فترة ساعات العمل الرّسمي. و توفّر المكتبة غرف فرديّة للباحثين و الدّارسين المتخصّصين والطّلاب الجامعيين القادمين لاقتباس ما يحتاجونه من كنوز المكتبة المعرفيّة.

جديرٌ بالإشارة أنّ المتحف يفتح أبوابه ستة أيّام في الأسبوع للزوّار العرب والأجانب والباحثين والدّارسين من مُختلف بقاع الأرض، ليقدّم لهم خدماته التّاريخيّة والمعرفيّة التي لا تستطيع تقديمها مؤسسة أخرى في المجال ذاته.

 

مزيد من صور متحف “بيت القرآن” في المنامة

الصور: 1، 2

 

شارك برأيك