جاء مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري في السعودية الذي أقره مجلس الوزراء حديثا ليؤكد اهتمام الدولة بآثارها, وبالتالي تحقيق نقلة نوعية في العناية بالآثار والمتاحف وتأهيلها بما يسهم في التنمية الاقتصادية الشاملة, وبناء ذاكرة وطنية من شأنها تعزيز البعد الحضاري للبلاد عبر مشاريع ملموسة على أرض الواقع.

هيئة السياحة تسعي لإعادة تنظيم قطاع الآثار

ومن خلال المساعي الكبيرة التي تعمل عليها الهيئة العامة للسياحة والآثار في السعودية خصصت حزمة كبيرة من المشاريع تتمثل بمشاريع المتاحف, ومشاريع التراث العمراني, ومشاريع الحرف والصناعات اليدوية, ومشاريع التوعية والتعريف بالتراث الوطني, وهذه المشاريع ستُبرمج وتُنفذ على ثلاث سنوات الأمر الذي عدّه أهل الاختصاص سيحدث نقلة نوعية في التعامل مع التراث, وفي الوقت نفسه سيفرز مجموعة كبيرة من منتجات السياحة الثقافية التي يمكن الاستفادة منها في تنمية سياحة ثقافية تعتمد التراث الوطني محورا أساسيا فيها.

وجعل المشروع استعادة الآثار الوطنية على رأس المحاور التي تتعامل معها الدولة لتطوير قطاع الآثار والتراث بالإضافة إلى تنفيذ مجموعة من المتاحف في مناطق المملكة على مستوى عال من التنفيذ بمستوى المتحف الوطني, وكذلك الاهتمام بقصور الملك عبد العزيز الأساسية, وتحويلها إلى مراكز ثقافية ومتاحف في مواقعها, والاهتمام بالمباني التاريخية للدولة في كل المحافظات, وتحويلها إلى متاحف للمحافظات, وهي بأعداد كبيرة تزيد على 40 موقعا كما أن هناك جزءا من المشروع مخصص للتراث العمراني, وخاصة مشاريع القرى التراثية.

وأولت الهيئة العامة للسياحة والآثار اهتماما كبيرا للآثار في كل مناطق السعودية بوصفها شواهد على الإرث التاريخي والحضاري للبلاد, وقد حرصت الهيئة منذ تفعيل ضم وكالة الآثار والمتاحف إليها على الارتقاء بأعمال الآثار والمتاحف على مستوى المملكة, وقامت بإعداد خطة استراتيجية متكاملة للنهوض بالقطاع, وذلك بمشاركة جهات حكومية ونخبة من المختصين والمثقفين والمفكرين للعناية بآثار المملكة والمحافظة عليها وإبرازها حيث سعت هذه الخطة إلى إعادة تنظيم قطاع الآثار, وتشخيص المعوقات التي تواجه العمل الأثري, واقتراح الحلول المناسبة للتعامل معها, وسبل حماية الآثار والمحافظة عليها وترميمها.

وإدراكا منها لأهمية المحافظة على المواقع الأثرية والتراثية في مختلف مناطق السعودية, وكون ذلك لن يتحقق على الوجه الأكمل إلا من خلال سن الأنظمة والتشريعات الواضحة والصارمة أعدت الهيئة مشروع نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني, ووافق عليه مجلس الشورى أخيرا, وينتظر أن يقره مجلس الوزراء قريبا, وهو نظام يعالج جميع القضايا المتعلقة بحماية الآثار ومواقع التراث.

وتسير جهود الهيئة في قطاع الآثار في مسارات عدة فهناك التنقيب عن الآثار, وحماية المواقع الأثرية وترميمها وتطويرها لتصبح مواقع سياحية مفتوحة للسياح, وتسجيل جميع المواقع في سجل الآثار الوطني, واستعادة الآثار الوطنية من داخل وخارج المملكة, ومشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري للمملكة, والعناية بمواقع التاريخ الإسلامي.

ونظرا لما تحتله مواقع التاريخ الإسلامي في جميع أنحاء المملكة, وعلى رأسها مكة ‏المكرمة والمدينة والمنورة من مكانة عظمى في قلب كل مسلم على مستوى ‏العالم جاء اهتمام الهيئة بهذه المواقع, وأولت الهيئة تلك المواقع أهمية كبيرة, وعملت على الحفاظ عليها وإعادة تأهيلها وفتحها للزيارة حيث شكلت لجنة لحصر الآثار الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة, بهدف إعداد قوائم أولية بمواقع الآثار الإسلامية فيهما, ونتج عن المسح الميداني للمواقع الأثرية الإسلامية حصر 384 موقعا في المنطقتين, منها 118 موقعا في مكة المكرمة إضافة إلى 266 موقعا في المدينة المنورة.

كما أسست الهيئة «برنامج العناية بمواقع التاريخ الإسلامي» الذي يختص بمواقع ‏التاريخ الإسلامي المرتبطة بالسيرة النبوية ‏وعصر الخلفاء الراشدين, ويعمل البرنامج على متابعة ومراجعة التقارير الخاصة بمواقع التاريخ ‏الإسلامي, والمشاركة في الإشراف على مشاريع الترميم والتأهيل ‏والصيانة, وكذلك وضع الخطط لحماية تلك المواقع إضافة إلى توظيف مواقع التاريخ الإسلامي بالطريقة المثلى ‏التي تبرز ظهور ‏رسالة الإسلام الخالدة.

كما يهدف البرنامج إلى تعزيز البعد التوعوي والحضاري والتاريخي لهذه المواقع للفائدة ‏العلمية, وربط الدارسين بالتاريخ الإسلامي المبني على التراث المادي ‏والمعلومات التاريخية الموثقة, والعمل مع العلماء في مجال الشريعة والتاريخ الإسلامي في مراجعة ‏وإعداد النصوص التاريخية والتعريف بمواقع التاريخ الإسلامي, وإعداد المطبوعات والنشرات التعريفية بتلك المواقع حيث يجري العمل في البرنامج خلال السنوات الثلاث المقبلة من خلال أربعة مسارات تتمثل في مسار التسجيل والحماية, ومسار الدراسات والتوثيق, ومسار التطوير والتأهيل, ومسار التوعية والتعريف وتصحيح المفاهيم.

ولأن السعودية تقف بشموخ على غالبية الجزيرة العربية, وشكلت نقطة التقاء وتقاطع لغالبية حضارات العالم فقد أولت الهيئة العامة للسياحة والآثار المسح والتنقيب الأثري أهمية كبيرة, خصوصا أن السعودية تزخر بآلاف المواقع الأثرية التي تشكل كنزا حضاريا له قيمة تاريخية وحضارية كبيرة.

وتوسعت الهيئة منذ ضم قطاع الآثار والمتاحف إليها قبل سبع سنوات في أعمال المسح والتنقيب ليأخذ في شكله ومضمونه منحى آخر أكثر شمولية, وفقا لمنهجية دقيقة في مواقع مختارة بعناية, وليشمل مواقع أكثر حيث تعمل الآن أكثر من 30 بعثة دولية ومحلية في مختلف مناطق البلاد.

شارك برأيكإلغاء الرد