Booking.com

لا يُعبر الاسم فيما يبدو عن خروج عن العادة أو المألوف، بقدر ما يعبر عن عبقرية المصري  الذي وصف التاريخ بالجغرافيا، فالناظر لخريطة تنتظم فيها درات مصر المصونة “الواحات” يدرك بالفعل أن تسمية الخارجة بهذا الاسم تحمل الكثير من الدقة؛ فالواحة بالنسبة لغيرها من مدن مصر تخرج عن وصاية النيل وترفض أن تقع في واديه، وتأبى إلا أن تعلن أن الصحراء ليست دوماً أماً للجفاف أو مأوى للمجهول.

الواحة الخارجة ـ مصر
تثبت الواحة الخارجة أن الصحراء ليست دوماً  أماً للجفاف أو مأوى للمجهول

مثل غيرها من بقاع مصر ارتدت الخارجة الكثير من الأقنعة وحملت الكثير من الأسماء، وعبرت عن عبقرية في التكيف مع ساكنيها، فهي مهد لتجارة وقوافل الفراعنة، وأهم البقع الزراعية والتجارية في عهد اليونان والرومان، وهى الملجأ للمسيحيين المضطهدين في العصر الروماني فحين ضاق عليهم الوادي وسعتهم الصحراء بواحاتها وخاصة الخارجة، وهى أرض المرابطين في العصر الاسلامى والعربى لحراسة قوافل التجار وتأمين حدود مصر ضد نزعات الطامعين والطامحين.

إلا أن الخارجة تحت الفراعنه كانت درة الواحات، ومقصد القاصدين، ونزهة الحالمين، ويتضح ذلك من اسم الواحة (هيبت)الذى يعنى فى اللغة المصرية القديمة (المحراث)، ويشير إلى الأهمية الزراعية للواحة، بجانب أهميتها كنقطة تزود بالمؤن في الصحراء حين ازدهرت حركة التجارة على طريق درب الاربعين الذى يربط السودان بأسيوط فى صعيد مصر عبورا بواحة هيبت أو الخارجة.

زيارة الواحة

يُفضل زيارة الواحة فى سياق برنامج سياحى لزيارة واحات مصر، ويصل الزائر إلى الواحة الخارجة من سابقتها (الواحات الداخلة) حيث تبعد الأولى عن الأخيرة مسافة 280 كيلومتر تقطعها السيارة فى ثلاث ساعات على الأكثر، وقد تتم زيارة الواحة من الأقصر، حيث يمتد طريق أسفلتي جيد ليربط الواحة بوادى النيل وهو طريق قديم للقوافل يمتد لما يقارب 320 كم.

في الطريق إلى واحة الخارجة

في الطريق إلى واحة الخارجة

وعلى امتداد طريق (الداخلة ـ الخارجة) تتوفر الكثير من الفرص لالتقاط الكثير من الصورللتكوينات الصخرية والكثبان الرملية الخلابة، وأهمها غرود (أبو منقار) ويقع فى منتصف المسافة بين الداخلة والخارجة ويفضل الانحراف عن الطريق الأسفلتي و اجتيازغرود الرمال المنبسطة لما يقرب من 10 كيلومتر بعربات الدفع الرباعى ظهراً حيث يتمتع الزائر بأبدع مناظر السراب ووهم المياه فى صحراء مصر الخادعة.

بيوت طينية قديمة في الخارجة
بيوت الطين القديمة في واحة الخارجة (2)

ومدينة الخارجة هى عاصمة محافظة الوادى الجديد، وفيها المصالح الحكومية الهامة، وعيون المياه الكبريتية الساخنه التى تصل درجة حرارة بعضها إلى 43 درجة مئوية، وفي الجزء القديم منها أبنية من الطوب اللبن في شوارع ضيقة ومتعرجة ومسقوفة بخشب الدوم والنخيل، وكان لكل شارع بوابة تغلق عند حدوث أي عدوان.

وفي الخارجة عدد غير قليل من المناطق الأثرية مثل منطقة “اللبخة” التي تبعد حوالى 13 كم شمال المدينة، وفي واحة باريس الصغيرة معبد “دوش” ويرجع تاريخه إلى عصر الأباطرة الرومان، بجانب “متحف آثار الوادي الجديد” الذي يضم العديد من القطع الاثريه القديمة منها لوحات فرعونية عثر عليها في منطقة قلاع الضبة ببلاط، وتمثال للإله حورس، وتمثال الأسد الرابض بوجه إنسان والذي عثر عليه في معبد دير الحجر، إضافة إلى مجموعه من الأواني الفخارية من العصر القبطي وبعض القطع عثر عليها بمنطقة موط بالداخلة.

معبد هيبس، واحة الخارجة
يُمثل “معبد هيبس” العصور الفرعونية والفارسية والبلطمية والرومانية

معبد هيبس: يقع على بعد حوالي كيلومتر واحد شمال مدينة الخارجة، وله أهمية خاصة حيث يمثل العصور التاريخية المختلفة الفرعونية والفارسية والبطلمية والرومانية؛ فتاريخه يرجع إلى العصر الفرعوني والأسرة 26 ، ويبدأ المعبد من الشرق بالبحيرة المقدسة ثم المرسى ثم البوابة الرومانية التي تحمل نقشا يونانياً من عهد الإمبراطور ( جلبا ) عام 69 م ويلي البوابة طريق الكباش المؤدى إلى البوابة الكبرى ثم البوابة الرئيسية، ويقع في نهاية المعبد قدس الأقداس بنقوشه الفريدة من نوعها، ومن الجهة الشرقية للمعبد، يقع “قصر الناضورة” وسُمي بذلك لاستخدامه كمركز مراقبة فى عهد الترك والمماليك، وبه أيضاً بقايا كتابات هيروغليفية ونقوش بارزة للإلهة أفروديت.

البجوات، الخارجة
يرجع اسم “جبانة البجوات” إلى طرازها المعماري المُعتمد على القباب

جبانة البجوات: تقع على بعد 3 كم شمال مدينة الخارجة خلف معبد هيبس ويرجع اسمها إلى طرازها المعمارى على شكل القبوات، ويرجع تاريخها من القرن الثاني حتى القرن السابع الميلادي وتضم 263 مقبرة على شكل كنائس صغيرة بطراز القباب وتتوسطها أطلال كنيسة تعتبر من أقدم الكنائس القبطية فى مصر.

من مقابر "البجوات" الخارجة ـ مصر
من نقوش مقابر “البجوات” في الخارجة (1)

ومن أهم المقابر مقبرة “الخروج” التي تحكي رسومها قصة خروج بنى إسرائيل من مصر يتبعهم فرعون بجنوده، وتليها مقبرة “السلام” وفيه صور ليعقوب والسيدة العذراء والقديسين بولا وتكلا، وتوجد على المقابر الأخرى نقوش ملونة وكتابات قبطية تحكى قصصا لتاريخ المسيحية فى مصر.

سر مصطفى الكاشف، الخارجة ـ مصر
بقايا الحص الروماني القديم في قصر “مصطفى الكاشف” (1)

قصر مصطفى الكاشف: يقع على بعد أقل من كيلو متر خلف جبانة البجوات، وهو عبارة عن بقايا حصن رومانى كان بمثابة حصن كبير عبارة عن مبنى ضخم وفى الجهة الغربية منه يوجد الجزء الأقدم من المبنى وهو عبارة عن مساكن مستقلة ذات سقوف على هيئة قبو كانت تقام بها الطقوس الدينية وتستخدم أيضاً كسكن للتجار العابرين.

معبد الغويطة، الخارجة ـ مصر
معبد الغويطة في الخارجة (3)

معبد الغويطة: على بعد 21 كم جنوب مدينة الخارجة، ويرجع تاريخه إلى عام 522 ق.م، وشُيد لعبادة الثالوث المقدس (آمون ـ موت ـ خنسو) وتوجد على المعبد نقوش لبطليموس يرتدى تاج الوجه القبلي من الناحية الجنوبية وتاج الوجه البحري من الناحية الشمالية، وينتهي المعبد بقدس الأقداس وإلى جواره مقصورات على شكل قبوات، وإلى جنوبه معبد الزيان على بعد 25 كم جنوب مدينة الخارجة، ويعود بناؤه إلى العصر البطلمي.

الصور: 1، 2، 3

إلى اللقاء مع آخر واحة فى سلسلة “الواحات المصرية.. حياة في قلب الصحراء”: واحة سيوة

[ad#Ghada648x60]

شارك برأيك