موط: واحة الملائكة وسياحة استثنائية بين التاريخ والجغرافيا

على طريق موط الواحة الساحرة عاصمة الواحة الداخلة في محافظة الوادي الجديد يترك المسافر وراء ظهره ضوضاء العاصمة المصرية القاهرة ليعيش أياماً وسط جغرافيا وتاريخ يندر أن يجتمعا في مكان واحد؛ فالواحة تبعد عن القاهرة نحو 900 كيلو متر.

تقع واحة موط وسط الصحراء الغربية المصرية، وهي عاصمة واحة الداخلة. ويطيب لمن زارها أن يصفها بأنها “واحة الملائكة”؛ فهي إحدى الواحات التي احتمي بها المسيحيون من بطش الرومان في العصور الأولي للديانة المسيحية. وشكل وجود الواحة  واستمرارها ونموها عمرانياً معجزة تاريخية وجغرافية بالنظر إلي أنها تبتعد عن وادي النيل القديم بنحو 800 كيلو متر، وبالرغم من ذلك فلم تنعزل موط بل تواصلت تجارياً وحضارياً مع كل الحضارات التي مرت على المنطقة وتركت صدى لها وسط صحراء مصر الغربية.

زوجة آمون

يمتد تاريخ واحة موط عبر قرون إلى عام 1000 قبل الميلاد، وهو تاريخ لوحة المياه الشهيرة التي تزين معبد الإله آمون أحد الالهة القديمة في مصر الفرعونية وحيث جاء تسمية الواحة نفسها نسبة إلى “موت” وهو اسم زوجة الإله آمون، وتمثل موط مقصداً سياحياً يجمع بين السياحة التاريخية وسياحة الاستشفاء وسياحة السفاري، فهي تمتاز بجوها الصحراوي نهاراً والمعتدل ليلاً. بجانب آثار فرعونية ورومانية وإسلامية.

وأهالي الواحة مسالمون وكرماء بشكل يفوق الوصف، ويفاجأ السائحون بعد حجز فنادقهم أن بيوت الواحة مفتوحة لهم ويرحب اهلها بهم على الدوام، بل ولا يعدم سائح يتجول بين شوارع موط  أن يحصل على هدية علبة تمر من النوع الذي تشتهر به الواحة.

فرعونية ورومانية وإسلامية

يوجد بالواحة معبد يعود للأسرة 26 الفرعونية، وأطلال الجبانة العتيقة والتى شيدت على شكل مصاطب، وهي مصاطب لا ترقى لأهرامات الجيزة الشهيرة في ارتفاعها لكنها تمثل مشهداً حضارياً يدل على ما اشتهر به المصريون القدامي من تقديس الموت والإيمان بوجود حياة أخرى في عالم آخر تستوجب الاستعداد لها بشكل يتناسب مع هذه القدسية.

كما توجد بالواحة آثار رومانية تعود لحقبة الحكم الروماني لمصر وتعرف باسم “المزوقة” و تقع على بعد 37 كيلو متر من مدينة موط، وهى عبارة عن جبانة ترجع إلى العصر الرومانى وتضم مقابر منحوتة فى الصخر وعليها نقوش زاهية تمثل خيرات الواحات ومنها إله الزرع وإله الماء ومزارع الشعير والنخيل والطيور والتحنيط والحساب والعقاب.

وتضم الواحة أيضاً معبد “دير الحجر” ويقع على بعد 47 كيلو متر، ويرجع إلى عصر واحد من أشهر الأباطرة الرومان وهو  الإمبراطور نيرون الذي اشتهر عنه أنه أحرق روما، والمعبد مشيد بالحجر الرملى ومنقوش على جدرانه صور ونقوش تمثل العقيدة الفرعونية، وعلى بعد حوالي 15 كيلو متر إلى الشمال من معبد “دير الحجر” تقع قرية القصر الإسلامية وهى أول الأماكن التي استقبلت القبائل الإسلامية عند وصولها الواحات سنة 50 هجرية وبها بقايا مسجد من القرن الأول الهجري وازدهرت في العصر الأيوبي وبها قصر الحاكم ومأذنه لبقايا مسجد وهى مكونة من ثلاث طوابق بارتفاع 21 متراً كما يوجد بها عدة مساجد من العصر التركى والمملوكى.

مغامرات واستشفاء

لا تقتصر السياحة في واحة موط على سياحة الاثار والتاريخ فقط بل من يقصد سياحة الاستشفاء سيجد ضالته في عيون  المياه الشهيرة بالواحة ومن أشهرها العيون الأثرية الرومانية وعيون المياه المعدنية الساخنة، التي تفيد في شفاء العديد من الأمراض و تصل درجة حرارة بعضها إلى 42 درجة مئوية.

ويمكن الوصول إلى واحة موط عبر رحلة طيران من القاهرة إلي مطار الخارجة ثم التوجه بسيارة للواحة أو رحلة برية يستمتع فيها المسافر بسياحة السفاري وسط الصحراء الغربية لمصر. ويوجد في الواحة فندق “سوليمار موط إن” Sol Y Mar Mut Inn، من فئة الخمس نجوم ويضم شاليهات واكواخ خشبية تستمد تصميمها من الطراز البيئي المحلي.

وواحة “موط” ليست المقصد السياحي الوحيد في محافظة الوادي الجديد، التي تشكل 56 بالمائة من مساحة مصر، فيمكن لزائر الواحة أن يزور الواحات القريبة منها كواحة الخارجة عاصمة المحافظة والتي يوجد بها  آبار “ناصر” السياحية و”بولاق” وبرك المياه وأشهرها بركة البط البكيني وبرك الطيور المهاجرة غرب الفرافرة. كما يقع  بالقرب من واحة موط وادي حنس الشهير بسياحة المغامرات والسفاري؛ حيث تنتشر واحات النخيل وآبار المياه الرومانية، وتكثر الحيوانات البرية كالغزلان والثعالب وهي ما يوفر بيئة يندر ان تتكرر مثلها في هذه المنطقة لسياحة السفاري والمغامرات، بالإضافة إلي واحة الفرافرة التي تشهد رحلات سفاري متبادلة بينها وبين واحة موط.

شاهد المزيد من صور “واحة موط” المصرية: (لرؤية أوضح اضغط على الصورة)