للجمال رونق خاص، متحد في جوهره، متعدد في مظهره. ولكل جميل وصف، ولكن يندر أن يتجلى الجمال في مكان مثلما تجلى في سيوة، وأن يقطر شعراً وشاعرية مثلما يفعل في سيوة؛ ففيها حط الجمال رحاله وانتوى السكنى، ووطئ الخلود وطابت له النزهة… إنها واحة سيوة.

تعتبر سيوة إحدى المنخفضات الكبرى في صحراء مصر الغربية، والتي تعرف اصطلاحاً بالصحراء الليبية لترددها بين مصر وليبيا كقاسم مشترك ونقطة التقاء. وتقع  سيوة، أكثر الواحات المصرية بعداً عن النيل ومخاصمة له، على بعد 65 كيلومتر من الحدود الدولية بين مصر وليبيا، وما يقرب من 600 كم غربي وادي النيل.

وتبلغ مساحة منخفض الواحة 1088 كيلومتر مربع، وينخفض تحت مستوى سطح البحر من 22:18 متر، ويتوسطه أربعة بحيرات مالحة ذات أعماق ضحلة، ومسطحات كبيرة تستخدم لاستخراج الملح.

يسود سيوة مناخ صحراوي قاري؛ فهي صحراوية النزعة والميول، وطقسها شديد الحرارة صيفاً، يميل إلى الدفء نهاراً والبرودة القارصة ليلاً في شهور الشتاء، ونادراً ما تسقط بعض الأمطار في الشتاء، وقد يحدث لكن على فترات متباعدة قد تصل من 15 إلى 20 عاماً.

ملابس نساء سيوة

ويسكن سيوة حوالي ثلاثين ألف نسمة، يعمل معظمهم بالزراعة والسياحة، وهم من الأمازيغ أو البربر، الذين يسكنون الآن في دول المغرب العربي وبعض الدول الأفريقية، ويتحدث أهل سيوة لغة البربر بشمال أفريقيا والتي تسمي بالامازيغية وفى سيوة بالسيوية وهى في سيوة لغة منطوقة وليست مكتوبة، وهم يفهمون العربية، لكن بالرغم من انفتاح سيوة على العالم الخارجي وازدياد نسبة التعليم بها، إلا أن السيوية لا تزال هي اللغة الأم والمتحدث بها في الشارع والمنزل وفى المعاملات.

مشهد من الحياة اليومية لسكان واحة سيوة

الخلفية التاريخية لسيوة

وفقاً للنصوص التاريخية الموجودة بمعبد الإله حورس بمدينة ادفو في صعيد مصر، سميت سيوة في العصور الفرعونية (بنتا) أو (تا) بمعنى الأرض، وفى خلال القرن الخامس قبل الميلاد والعصر الروماني كانت تسمي واحة (آمون) أو آمونيا نسبة إلى معبد الوحي للإله آمون الموجود بها.

وأشار لها المؤرخ العربي اليعقوبى باسم قبيلة “سوه” أو “تسوه” من البربر، ويذكر ابن خلدون الواحة باسم (تيسوة) نسبة إلى سكانها الذين يدعون تيسوه، والذين هم فرع من قبيلة زناته من شمال أفريقيا.

وكانت القوافل التجارية في العصور الفرعونية والرومانية والعصور الوسطى, وأيضا قوافل الحج في العصور الإسلامية تمر من وإلى وادي النيل وأواسط أفريقيا ومنطقة سيرينيكا (إقليم برقه) عبر الواحات وكانت سيوة احدي هذه المحطات.

سيوة.. مقبرة جيش قمبيز ومحبوبة الإسكندر

بعد احتلال الفرس لمصر في العام 525 ق.م بقيادة قمبيز، والذي أهان المصريين وحقر من شأن آلهتهم إلى الدرجة التي دفعته إلى ذبح معبودهم المقدس في منف العجل أبيس وتقديمه إلى قواد جيشه كوليمة، مما استفز مشاعر المصريين الدينية، ودفع كهنة الوحي بمعبد آمون سيوة إلى التنبؤ بموت قمبيز، الذي أجابهم بإرسال جيش من 50 ألف مقاتل إلى سيوة لهدم المعبد وجلب الكهنة كعبيد، لكن منى الجيش بالحظ السيئ ودفن في بحر الرمال الأعظم أثناء عاصفة رملية شديدة، ومنذ سنوات قليلة كشفت العواصف الرملية عن بعض متعلقات ذلك الجيش الذي ساقته الأقدار إلى معركة غير متكافئة مع أعتي عتاة الصحراء… عواصف الرمال.

نقوش على جدار معبد آمون الذي زاره الإسكندر

وعى خلاف جيش قمبيز، عانقت الواحة وأحبت الإسكندر الأكبر؛ ففي العام 332 ق.م قام بزيارة معبد آمون في سيوة لشهرة ذلك المعبد في ذلك الوقت كأحد أهم مراكز الوحي والتنبؤ في العالم القديم، وهناك توج ابنا لآمون وتنبأ له الوحي بسيادة العالم.

أبرز معالم واحة سيوة

بيوت مدينة شالي القديمة

مدينة شالي القديمة: هى المدينة القديمة بالواحة، وظلت مسكونة إلى العام 1926 عندما تعرضت لزخة مطر استثنائية عاتية استمرت لمدة 3 أيام متواصلة مما نتج عنه ذوبان المنازل التي بنيت من مادة الكارشيف (الطين المخلوط بالملح)، خاصة مع اعتياد السكان على بناء المنازل بدون أسقف لندرة سقوط المطر.

اكتسب “حمام كليوباترا” شهرته من الملكة المصرية كليوباترا

حمام كليوباترا: هو أكثر المزارات السياحية شهرة في سيوة، وهو حمام من الحجر يتم ملؤه من مياه الينابيع الساخنة الطبيعية، و يقال إنّ الملكة المصرية قد سبحت فيه بنفسها أثناء زيارتها لسيوة. ويقلّد السياح كليوباترا منذ عدة سنوات، فما من شيء أفضل من السباحة للانتعاش بعد جولة في يوم صيفي حار!

معبد آمون.. يحكي جزءاً من قصة الإسكندر الأكبر في مصر

معبد آمون: يقع على مسافة 4 كلم شرق مدينة سيوة الحالية، ويقال بأن العرّاف اليوناني الشهير آمون كان يعيش فيه وقد توجّه إليه الإسكندر الأكبر مباشرة بعد وصوله إلى مصر. ويعتقد الكثيرون أن القائد المقدوني قد سأل عرّاف المعبد عما إذا كان “سيحكم العالم”، وكانت إجابة الكاهن “نعم، لكن ليس لفترة طويلة”. وفي المعبد ردهة وساحة أمامية ضخمة.

جبل الموتى: يعني جبل الموتى باللغة العربية جبل الأموات؛ وهو عبارة عن تلة ذات شكل مخروطي تتجه قليلاً نحو شمال قلعة شالي، وهو يزخر بمقابر تعود إلى عهد الأسرة 26 وحقبة حكم البطالمة. ولا تزال العديد من هذه القبور محفوظة إلى حد جيد. علاوة على ذلك، يمكنك من أعلى جبل الموتى مشاهدة مناظر مذهلة ورائعة لواحة سيوة.

جبل الموتى والمقابر وسط الصخور

وأهم مقابر جبل الموتى “سي آمون”، والتي يُشار إليها بأنها أجمل مقابر الصحراء الغربية، وتنتمي إلى أحد أثرياء الإغريق والذي كان يتبع الديانة المصرية القديمة، وتم الحفاظ عليها  بشكل جيد وتتمتع بمجموعة من النقوش البارزة الرائعة.

ومن المقابر الأخرى التي تحمل نقوشًا مدهشة مقبرة التمساح، نظرًا للرسم المنقوش عليها و هو عبارة عن تمساحا أصفر يمثل الإله سوبيك،و تشكل المقبرة هيكل أشبه بكهف مكون من ثلاث حجرات. وأثناء زيارتك لجبل الموتى، ثمة مقبرة أخرى لا بد من زيارتها وهي مقبرة نيبرباثوت، المزينة بنقوش ساحرة مرسومة بالصبغة الحمراء المستخدمة في الأواني الفخارية السيوية حتى يومنا هذا، وهي مقبرة ضخمة يرقد فيها التابوت الحجري على أرضية غرفة الدفن.

جبل التكرور: على مسافة 3 كلم جنوب واحة سيوة يقع جبل دكرور الذي يشتهر بالخصائص العلاجية لرماله الساخنة منذ قديم الزمان، كما يشتهر بكونه مصدرًا هائلاً للصبغة الحمراء المستخدمة في الأواني الفخارية السيوية.

جبل التكرور في سيوة

ويتوافد الناس أثناء فصل الصيف ليتمتعوا بحمامات الرمال الساخنة والتي تتميز بقدرتها على علاج الروماتيزم. يستغرق حمام الرمال ما يناهز 20 دقيقة حيث يتم دفنك حتى الرقبة في رمال الصحراء الساخنة، ويتم تكرار العملية لأي جزء يؤلمك في جسدك على فترة زمنية تتراوح من 3 إلى 5 أيام. وهو علاج مذهل بالفعل؛ بحيث تختفي آلام الروماتيزم والتهاب المفاصل بعد التعرض لحرارة الرمال.

مغامرة هبوط كثبان الرمال.. حركات تشبه الأكروبات

زيارة بئر واحد: يقع في قلب بحر الرمال الأعظم على بعد 10 كم من الواحة، في قلب كثبان الرمال التي يبلغ ارتفاع بعضها إلى 90 متراً، ولا توصف متعة ومغامرة هبوط الكثبان الرملية بعربات الدفع الرباعي في حركات أقرب ما تكون إلى الأكروبات، إلا أنها أحيانا قد تفوقها خطورة.

“بئر واحد” يشبه الجوهرة وسط الرمال النظيفة

وبئر واحد مكان خلاب جدا؛ فهو كالجوهرة الخضراء تكتنفها الرمال النظيفة، حيث لاتعبث يد إنسان ،ولا تصل مشاحنات البشر، ولا تكتمل المتعة دون الاستحمام في مياه البئر الساخنة التي تعبق بالكبريت كما ينضح العطر الشذى.

إن زيارة لسيوة لخير ما ينصح به لراغبى الهدوء والسكينة، ومحبي الأصالة والتاريخ؛ ففيها قلوب عامرة ومشاعر دافئة ووجوه هدتها المعاناة لكن طمأنتها السكينة وأحاسيس الرضا بالقدر.

تمت سلسلة “الواحات المصرية.. حياة في قلب الصحراء”: البحرية، الصحراء البيضاء، الصحراء السوداء، الفرافرة، الداخلة، الخارجة، سيوة.

[ad#Ghada200x200]

شارك برأيكإلغاء الرد

التعليق

  • بجد بدعو كل العالم يشوف ويزور سيوة كم هى رائعة وجذابة وننمنع بكل ماهو جميل من مياه كبريتية وجبال ورمال للتذحلق ورمال للاستشفاء ومنازلها البسيطة السيوية.. يلا قومو دلوقتى زوروا سيوة الجميلة