Booking.com

كعادة المصريين كل عام لا يفوتهم الاستعداد لشهر الصيام ” شهر رمضان العظيم” إلا بإقامة الاحتفالات ابتهاجا بهذه المناسبة الكريمة، ولعل المشهد الحسيني هو الأبرز في القاهرة للتعرف عن كثب على هذه التحضيرات المكثفة، من جانب كل من يعملون في هذه المنطقة التي عندما شاهدتها خلال زيارتي لها شعرت بأنني داخل منظومة أو مؤسسة كبرى تجرى التهيئة لاستقبال زائر عزيز، فقد ارتدى مسجد الحسين أبهى حلة من الأضواء وأعدت المحال الزينة الرمضانية الشهيرة وخاصة ذات الطابع اليدوي، ولم يقتصر الأمر على هذا وذاك بل إن السبح و الفوانيس ينتظرون أمام بائعيهم في لهفة وشوق هذا العرس الرمضاني بديع المشهد.

منطقة الحسين

ارتدى مسجد الحسين أبهى حلة في استقبال الزائرين

في بداية زيارتي التي أردت من خلالها أن أرصد تلك الحالة التي يعايشها المصريين في هذه الفترة من العامأ توجهت إلى ساحة مسجد الحسين وما أجمل هذا المسجد الشامخ الذي يحتضن تلك المنطقةأ فاتحا أبوابه أمام المصلين الذين يأتونه من كل حدب وصوب لإقامة الصلاة.

ولعلك إذا وقفت أمامه لبضع دقائق ستشعر بمدى الروحانيات التي تنبعث منه وكأنها نسيم عليل يطيب الأجواء في بهجة وسرور، وهذا ما قمت به بالفعل فقد انتظرت أمامه لأشاهد التجمعات الأسلامية من البلدان المختلفة وهم يتوجهون إليه مقبلين رافعين أيديهم بالدعاءأوما لبثت إن لحقت بهم لأداء الصلاة، وبالداخل فكل شىء هو جديد جميل مزين مطرز حتى أن الجميع بدا مبهورا بهذه الجماليات التي أعدت خصيصا للشهر الفضيل.

منطقة الحسين

المطاعم المواجهة للمسجد

وعندما فرغت من الصلاة والاستمتاع بهذه الأجواء الرمضانية العطرة توجهت إلى الساحة من جديد لأجد الجميع يستمر في العمل تحت شعار “أهلا رمضان” فمضيت اتجول بين أشهر المطاعم المواجهة للمسجد في سعادة، فالجميع يستقبلك بابتسامة وترحيب، وعندما تقدمت بالسؤال عن مدى الإقبال في رمضان وما هي تحضيراتهم لهذا الشهر العظيم أجمع العاملين على أنه وفي وقت الإفطار لا يوجد مكانا فارغا في هذه الساحة حتى أن الكثيرين من الزائرين يتناولون إفطارهم وهم واقفين ليس لشىء سوى للإحساس بتلك اللحظات التي لا تتكرر إلا خلال هذه الأيام الكريمة.

ولمن لا يعرفون منطقة الحسين فإن أشهر مطاعمها هو “الدهان” و”نجمة الحسين” و”أبو مازن” وكذلك “مطعم فرحات” الذين يقدمون أشهى المأكولات التي تفوح رائحتها من بعيد معلنة مغازلة الصائمين.

ولأنني كنت أبحث عن هذه الفرصة، فقد فضلت الجلوس وتناول الطعام في مطعم الدهان، وحينما كنت انتظر تقديم الحمام المشوي والممبار، وجدت بائع العرقسوس يمر بجانبي وهو يرتدي ملابسه المميزة ويمسك بأدواته التي تصنع صوتاً يعرفه كل مصري سواء كان صغيرا أو كبيرا فطلبت منه كوب، وأحسست وقتها بمدى عبق هذا المكان وقدسيته في قلوب المصريين والعرب أيضا.

منطقة الحسين

السبح علامة مميزة في رمضان

أنهيت تناول هذه الوجبة المصرية اللذيذة، أخذت استمر في التجول والبحث عن المعالم الرمضانية المميزة فوجدت بائعاً للسبح، وكانت ألوانها بديعة متناسقة تجذب أنظار كل من يمر من الزائرين، فوقفت وسألت البائع عن الأسعار ، ولم ينسى أن يبادرني بالتهنئة في البداية “كل سنة وانتي طيبة، الأسعار تختلف من سبحة لأخرى”.

فبادرت بالسؤال أيضا عن السبب فقال أن أغلى أنواع السبح هي تلك المصنوعة من العقيق الحر والذي يأتي خصيصا من اليمن ويتراوح سعرها ما بين 600 إلى 700 جنه مصري، وأن هذه السبحة لها زبائنها الذين يعرفونها جيدا ويفضلونها خاصة مع قدوم الشهر الكريم، مؤكدا أن اسعاره تناسب كافة الطبقات خاصة أن الكثيرين يتهافتون عليه في هذه الأيام العامرة بالذكر والايمان.

منطقة الحسين

الفوانيس وبهجة رمضان

كان شعورا مليئا باللهفة والفرح حين مررت أمام محل مخصص لبيع الفوانيس، فقد بدت وكأنها تتراقص على أنغام أغنية “مرحبا شهر الصوم” الدائرة في المكان، وعندما نظرت إليها بإمعان وجدتها متراصة في تناسق ينم عن وعي القائمين عليها، ولا يقتصر على هذا فحسب بل وجدت أيضا أقدم أنواع الفوانيس بهذا المحل والتي قليلا ما تجدها في مكان أخر خارج هذه المنطقة، فبادرت بشراء إحداها مستشعرة بهجة الأطفال في رمضان.

طبعا لم أنسى أن أمر على بائع “الطواقي”، وهي أغطية الرأس الشهيرة التي يرتديها المصلين في رمضان، ووجدت عنه كافة الأنواع والألوان، وأشار لي أن هناك أنواع عددها في الهندي والمغربي والنوبي وكذلك التركي، وهي ما تلقى القبول بشكل كبير بين الزائرين، وعن الأسعار قال أنها تتراوح ما بين 4 جنيهات إلى 20 جنيها للطاقية.

منطقة الحسين القاهرة

شارع خان الخليلي وأجمل محال بيع الهدايا

وعلى الرغم من أنني شعرت بالتعب من السير إلا أنني لم اتواني عن استكمال جولتي في “خان الخليلي” فبدونه الزيارة لن تكتمل، وعند دخولي إليه استشقت رائحة مميزة لهذا المكان، فالرائحة تملأ المكان وتفوح منه وكأن شخصا ما يقوم بنثرها في الأجواء، ولم اتردد عن سؤال البائعين عن سر الرائحة فأكدوا لي أنها رائحة البخور التي يمتاز بها الخان، فقررت شراء بعضا منها،

مكثت اتجول بين المحال التي تبيع الأنواع المختلفة للجلباب العربي واتفحص ألوانها وأشكالها الجميلة، ثم تطرقت إلى محال بيع الشيش ” الأرجيلة” لأري الكثير والكثير من الأنواع والتي ربما يعود الكثير منها إلى عشرات الأعوام وبجانبها تباع أواني النحاس والفضة، ووقتها تقينت أن كل ما يميز المجتمع المصري سأجده بين أروقة هذا المكان الذي يعد متحفا مفتوحا في الهواء الطلق.

إنها فرصة كبيرة تجعلك لا تستطيع التوقف علن التجول بين محلات بيع الانتيكات والهدايا التراثية المختلفة وكل ما يلزم شهر رمضان الكريم، إن قررت الذهاب قبل الشهر العظيم وتجولت بين جنبات منطقة الحسين، فإنك حتما ستعود في رمضان شوقا لها.

(طالع: عيش الماضي في أقدم الأحياء العربية)

شارك برأيك