Booking.com

عندما يتعلق الأمر بممارسة الشعائر الدينية فإن البيئة تكون عاملاً مساعداً أو مقوضاً، إلا أنها في الغالب تكون عاملاً محفزاً للتشبث أكثر بالهوية الإسلامية لاسيما بين الجاليات الإسلامية التي تعيش شهر رمضان في الغرب.

باريس مدينة امتدت واتسعت لتحتضن أكثر من ثلاثة ملايين مسلم، فكيف لا تكتظ المساجد وما يحيط بها من شوارع وأرصفة بالمصلين خلال شهر رمضان، خاصةً أن أعداد مسلمي فرنسا تتزايد باضطراد حتى أن الإسلام يعتبر الديانة الثانية بعد المسيحية، ويشهد شهر رمضان على وجه الخصوص التزاماً بتعاليم الدين الإسلامي عن غيره من الشهور، فبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز فرنسي متخصص فإن هناك 49% فقط من مسلمي فرنسا يترددون على المساجد مقابل 88% يلتزمون بصوم رمضان.

المسجد الكبير في باريس

المسجد الكبير في باريس

يبدأ الشهر رسمياً بالإعلان عنه في مسجد باريس الكبير الذي بني عام 1922م كمكافأة من الحكومة الفرنسية لدول شمال أفريقيا الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى بجانب الجيش الفرنسي وذلك في معركة الفردان، ومات منهم قرابة 28 ألف جندي وقتها، لذا تم إنشاء هذا المسجد الذي يعد الأكبر في فرنسا، وتجتمع فيه الجاليات المسلمة مع مسلمي فرنسا عند الإعلان عن بداية شهر رمضان، وقبلها بساعات يجتمع عدد كبير من الجاليات المسلمة في الشوارع للاستعداد لبدء فعاليات الشهر المعظم. ويعتمد المسلمون هناك على الدراسات الفلكية لاستطلاع هلال رمضان.

يعرض المسلمون حلوياتهم في شوارع الأحياء العربية

يعرض المسلمون حلوياتهم في شوارع الأحياء العربية

يمتد النهار في فرنسا بطوله ويؤذن لصلاة المغرب قرابة الساعة العاشرة مساءً، ويستغل المسلمون في فرنسا شهر رمضان لنشر الإسلام بين طوائف الشعب الفرنسي، وتفتح المساجد أبوابها أمام عامة الناس من مختلف الديانات بهدف تعريفهم بالإسلام كدين سمح ومنفتح على الآخر، أما جمعيات الخير فتتهافت على إقامة خيمات رمضانية لإطعام الصائمين وغيرهم من الفقراء على اختلاف دياناتهم، ومن أشهر هذه الخيم واحدة في قلب العاصمة الفرنسية، وقبل موعد آذان المغرب بساعات يتحول المكان لمطبخ كبير يتشارك الجميع في إعداد ألفي وجبة إفطار، فالكل سواسية على مائدة الطعام للتأكيد على أن رمضان للجميع وللإلتقاء والتقارب، ولا يسأل أحد عن أصوله أو هويته أو آرائه أو دينه.

في هذا المكان المميز تجد المهاجرين المسلمين الذين فقدوا السبل، وآخرين ممن فقدوا الدفء العائلي فجاءوا للبحث عنه، وأحياناً أخرى تأتي أسر فرنسية بكاملها للإفطار، حتى تحول رمضان لما يشبه حدث وطني، وتتحول المساجد إلى فضاءات يقصدها الساسة، فالسياسة في هذا البلد لا تصوم.

صلاة التراويح في الشوارع الداخلية من باريس

صلاة التراويح في الشوارع الداخلية من باريس

وتقام صلاة التراويح في خيام كبيرة في بعض الأحياء الباريسية نظراً لقلة المساجد، وتكون أرضيتها من الرمال المغطاة بسجاد، وبعد التراويح يقضي الفرنسيون بقية أوقاتهم مع أصدقائهم، والبعض الآخر يستغل الوقت قبيل الفجر في التسوق في شارعي Metro Menilmontant وBelleville لشراء حاجيات رمضان التي تتميز هناك بأنها تتبع نكهات دول المغرب العربي، وهناك فئة أخرى تحب إكمال الليل في المركز الثقافي الإسلامي في باريس لقراءة الكتب وسماع الندوات الإسلامية وإلقاء الأسئلة التي تهمهم، وعلى الرغم من توفر عدد كبير من المطاعم الراقية في العاصمة الفرنسية إلا أن مشكلة إيجاد مطعم مناسب لتناول وجبة الإفطار يبقى هو العائق الأهم، لكنه بدأ في التلاشي بعدما فطنت لذلك المطاعم الفرنسية وأصبحت تقدم ما يسمى بقوائم رمضانية تضم الأطباق التي يفضلها المسلمون في هذا الشهر.

كما تستغل الجاليات المسلمة وبالذات من الأتراك والمغاربة شهر رمضان في إعداد الكثير من الحلويات الرمضانية الشهيرة في بلادهم الأصلية ويعرضونها لبيع في شوارع خاصة لذلل مثل شارع boulevard de la Chapelle، ففيه تجد الكنافة والبسبوسة وغيرها من الحلويات الشهيرة.

الساحة الخلفية لمسجد الجامع الكبير

الساحة الخلفية للجامع الكبير في باريس

شارك برأيك