الأنهار الكبرى في العالم والتي تتمتع بشهرة واسعة لا يقتصر نشاطها على كونها مصدراً هاماً للماء العذب أو مكاناً غنياً بالأسماك فقط، وإنما تتميز بأنشطة كثيرة سواء سياحية أو تجارية، من هذه الأنهار نهر الدانوب ثاني أطول أنهار أوروبا بعد نهر الفولجا، والذي يأخذ السياح في رحلة كروز رائعة يعطيهم فكرة عن تاريخ هذا الطريق التجاري الكبير والهام الذي كان يربط أوروبا بالعديد من المدن العالمية، كما أنه يشق المدن الأوروبية التي كانت يوماً ما مسرحاً للحرب العالمية الأولى والثانية والتي شكلت حياة أوروبا لسنوات طويلة.

إحدى سفن الكروز ترسو ليلاً في نهر الدانوب عند مدينة باساو الألمانية

تعمل العديد من الخطوط السياحية على تنظيم كروز خلال نهر الدانوب، أهمها شركة Viking River Cruises التي تقدم مجموعة متنوعة من الرحلات داخل النهر، وذلك من خلال نوعين من السفن، أولهما سفينة Viking Danube التي تحمل 150 سائحاً، وسفينة Viking Legend التي تتسع لـ 189 سائحاً و95 غرفة فاخرة، كما تقدم شركة Avalon Waterways نفس الرحلات لمدة خمسة أيام، وتمتد لمدة 14 يومياً في أعياد الكريسماس، أما شركة Tauck Tours توفر ثلاثة أنواع من الرحلات يحمل كل منها 118 سائحاً.

واحدة من المناطق المميزة على نهر الدانوب التي يمر عليها الكروز

رحلات الكروز عبر نهر الدانوب لها أكثر من مسار ونقطة انطلاق؛ فهناك رحلات تنطلق من العاصمة المجرية بودابست التي تلقب بملكة الدانوب نظراً لموقعها المتميز على النهر الذي يشقها إلى نصفين، القسم الأول بودا Buda والثاني بست Pest ومن هنا جاء اسم المدينة، ومن خلال الرحلة يشاهد السياح مبنى البرلمان وجسور المدينة ودار الأوبرا وهضبة القلعة الشهيرة، وإما تبدأ الرحلة من العاصمة السلوفاكية براتيسلافا على الحدود مع النمسا والمجر، أو تبدأ الرحلة من فيينا والتي تعتبر أهم النقاط التي تنطلق منها الكروز، يرى فيها السياح صروح الفن والثقافة التي تشتهر بها تلك المدينة، ويعبرون على القلاع الحصينة التي كانت تحميها منذ القرن السادس عشر الميلادي، كما يمرون على أماكن تاريخية تعود للقرن الثاني عشر حينما كان ريتشارد قلب الأسد يعقد خططه أثناء الحروب الصليبية، وأخيراً يمكن الإنطلاق من مدينة باساو Passau الألمانية وهي المدينة التي يلتقي عندها ثلاثة أنهار أوروبية كبرى، وهي مقدمة ممتازة لتلك الرحلة التي تخترق التاريخ والعمارة الأوروبية نظراً لأنها تمهد لما سيأتي بعدها.

بوفيه الغداء على ظهر السفينة

أما مسارات الكروز المختلفة فيمكن حصرها بشكل رئيسي في المسارات التالية؛ المسار الأول يطلق عليه رحلة الدانوب الرومانسية Romantic Danube وتستغرق ثمانية أيام وتكلفة الفرد فيها 1600 دولار، تبدأ الرحلة من بودابست التي تعبرها السفينة في يومين، تشاهد خلالها معالم المدينة الرئيسية مثل ميدان الأبطال Heroes’ Square لتتعرف على التاريخ المجري، وتشاهد قصوراً تاريخية تعود لمئات السنوات، ثم تعبر السفينة منطقة القلعة لترسو قليلاً لتناول الغداء وسط المناظر البانورامية الجذابة، وبحلول فجر اليوم الثالث تكون في فيينا تشاهد هناك دار الأوبرا وكنيسة القديس ستيفان والعديد من المعالم النمساوية حتى يحل موعد الغداء على ظهر السفينة، وتكمل الإبحار حتى الوصول لمدينة Melk الصغيرة القريبة من الحدود النمساوية الألمانية، وفيها تشاهد جميع معالم العصور الوسطى، وفي اليوم الخامس تصل داخل ألمانيا عند مدينة باساو وتتمتع بمناظر المدينة القديمة سيراً على الأقدام، وتصعد قلعة Oberhaus ومراكز التسوق في البلدة، وفي اليوم السادس تقترب من مدينة Regensburg جنوب ألمانيا وواحدة من أقدم مدنها، وينتهي اليوم الثامن بمدينة Nuremberg.

غرفة السفينة التي تبحر عبر الدانوب

هناك مسارات أخرى لرحلات الكروز عبر الدانوب، مثل الرحلات التي تعبر شرق أوروبا فقط، ابتداءً من رومانيا وكرواتيا وصربيا وانتهاءً بالمجر ويطلق على هذا المسار Passage to Eastern Europe وتكلفة الفرد فيه 2300 دولار ويستغرق 11 يوماً، وهناك مسار مميز يقصده العديد من السياح يطلق عليه Grand European Tour ويبدأ من العاصمة الهولندية أمستردام ثم مدينة Kinderdijk التي تؤدي إلى رابع أكبر مدينة ألمانية وهي Cologne ومنها إلى مدينة كوبلنز Koblenz الألمانية التي تشتهر بقلاعها الحصينة، ثم العاصمة الصربية ثم بودابست، ويستغرق هذا المسار 15 يوماً مقابل ثلاثة آلاف دولار.

نهر الدانوب يشق أوروبا من منتصفها من الغرب إلى الشرق، وهو ممر مائي دولي ينبع من الأراضي الألمانية من منطقة تُدعى الغابة السوداء، ويتجه ناحية الجنوب الشرقي ليصب مياهه في البحر الأسود عند أوكرانيا، يصل طوله إلى 2872 كيلو متراً حيث يمر داخل عشر دول أوروبية هي رومانيا والمجر وصربيا والنمسا وألمانيا وسلوفاكيا وبلغاريا وكرواتيا وأوكرانيا ومولدوفا، كما أنه يمر داخل أربع عواصم أوروبية هي فيينا عاصمة النمسا، وبودابست عاصمة المجر، وبلجراد عاصمة صربيا، وبراتيسلافا عاصمة صربيا، ولا يعتبره الأوروبيون مجرد نهر كبير وإنما يُنظر إليه على أنه يحمل ذاكرة ثقافة وتاريخية وتجارية لدى الأوربيين، حيث يعود تاريخه إلى عهد الإمبراطورية الرومانية، وهو الذي ساهم في ذات الوقت على تطوير المدن الأوروبية التي يمر خلالها.

المصادر: 1، 2

شارك برأيكإلغاء الرد