Booking.com

في اليابان.. كل ما يعيش في البحر يتم اصطياده وأكله، سواء كانت أسماكاً أو أية مخلوقات بحرية أخرى، ويشجعهم على ذلك موقع بلدهم المحاطة بالماء والأسماك من كل الجهات. وكل ما يتم اصطياده ينتهي به المطاف للعرض في أكبر سوق سمك في العالم، والموجود في العاصمة اليابانية طوكيو، وهو سوق تسوكيجي (Tsukiji) المقام على مساحة خمسين فداناً، يفتح أبوابه يومياً من الساعة الرابعة فجراً في موعد وصول السفن والطائرات من كل أنحاء العالم وتفريغ حمولتهم فيه، وقد أصبح مزاراً سياحياً مهماً لدى كل زوار اليابان فدخوله مجاني بالطبع.

ينقسم سوق تسوكيجي إلى منطقتين أساسيتين؛ الأولى يُطلق عليها (السوق الداخلي) وبها تتم عملية تجهيز وتقطيع وفرز وإعداد الأسماك للعرض، وتجذب غالبية السياح فإعداد الأسماك يتم بطريقة جذابة كأنه عرض داخل سيرك أو مهرجان، ويوجد في نفس المنطقة أكثر من 900 محلاً مرخصاً للجملة فقط. أما المنطقة الثانية فهي (السوق الخارجي) وهو مزيج من محلات الجملة والتجزئة التي تبيع كل مخلوق بحري، بالإضافة إلى محلات تبيع أدوات المطبخ الياباني والعديد من المطاعم وخصوصاً مطاعم السوشي الشهيرة.

سمك التونة الضخم بعد إفراغه من الطائرات استعداداً لتقطيعه

سمك التونة الضخم بعد إفراغه من الطائرات استعداداً لتقطيعه

وأكثر ما يبهر في السوق هو تباين وتنوع محتوياته المعروضة؛ ففيه أكثر من 400 نوع من الكائنات البحرية تم اصطيادها محلياً بالإضافة إلى استيراد أنواع عديدة من 60 دولة متوزعة في قارات العالم الست، تبدأ من الطحالب الرخيصة إلى أغلى أنواع الكافيار، كما أنه يحتوي على أصغر أنواع السردين وفي نفس الوقت يحتوي على قطع الحوت الضخمة وسمك التونة الذي يبلغ وزنه 300 كيلو جرام.

ولكي تعلم مدى ضخامة تسوكيجي فإن عمليات البيع والشراء فيه تضخ في الإقتصاد الياباني 6 مليارات دولار سنوياً، ويعمل فيه 65 ألف عامل، ويتم بيع 2000 طن يومياً. بمعنى أنه أكبر سبع مرات من سوق باريس الذي يعتبر الثاني على العالم، وأكبر 11 مرة من سوق نيويورك الذي يُعد الأول في أمريكا الشمالية.

أنواع عديدة ومتنوعة من الأسماك تملأ سوق تسوكيجي

أنواع عديدة ومتنوعة من الأسماك تملأ سوق تسوكيجي

عروض خاصة لمشاهدة التونة!

أبرز ما يميز هذا السوق هو عملية تقطيع وتجهيز سمك التونة الضخم، ومن ثَم بيعه في مزاد للمحلات الصغيرة، لدرجة أن هذه العملية يتنافس عليها السائحون لمشاهدتها، ولا يُسمح إلا لـ 120 زائراً بمشاهدتها كل يوم تدخل على مجموعتين تستغرق كل واحدة 25 دقيقة تشاهد فيها العملية من أولها لآخرها ثم تدخل الثانية، وفي أيام الذروة يُسمح بزيادة العدد ليستمتع أكبر عدد من الناس، ولابد من الحجز وتسجيل الأسماء عند بوابة المعلومات في بداية السوق. وأثناء المشاهدة يجب الوقوف في مكان مُخصص، كما يُمنع استخدام الفلاش في التصوير.

تجار التجزئة اليابانيين أثناء مزاد سمك التونة

تجار التجزئة اليابانيين أثناء مزاد سمك التونة

تتم عملية تقطيع وتوزيع التونة كالآتي: بعد إفراغ حمولة الطائرات والسفن يتم وضع التونة على أرض باردة في صفوف، ويأتي عمال يرتدون أحذية مطاطية وملابس موحدة لترقيم الأسماك وكتابة اسم المصدر ووزن كل سمكة عليها باللون الأحمر، ثم تقطيع الرأس وعمل خط بطول الجسم وإفراغ الأحشاء، بعدها يدق جرس بصوت عال ليبدأ المزاد السريع بالجملة على البائعين الصغار، ويتم بيع سمك التونة من الحجم الضخم بمعدل سمكة واحدة كل 9 ثوان، بمعنى أنه تُباع 200 سمكة كل نصف ساعة، كل هذا يتم بترتيب وسرعة فائقة.

ويقوم التجار بتقطيع التونة بواسطة سكين تشبه سيف محاربي الساموراي اليابانيين، وهي مصنوعة من الصلب المطروق تحت درجة حرارة 480 درجة مئوية، ويستخدم آخرون مناشير كهربائية لسرعتها، ثم يأخذ كل بائع نصيبه إما لبيعه أو لعمل السوشي الياباني المميز.

جولة في “تسوكيجي”

في السوق الداخلي طرقات مزودة بأسهم تعين الزائر على فهم خريطة السوق، وهذا المكان هو أمتع جزء من السوق حيث سترى لأول مرة كل ما كان مختبئاً في أعماق البحر، فستجد أمامك تنوعاً رائعاً من المخلوقات البحرية مثل قنافذ البحر والمحار والأخطبوط الأحمر والكافيار والكابوريا وبلح البحر وغيرها وُضعت في كراتين وعليها ثلج مجروش، أو تم عرضها في أحواض زجاجية.

بعد انتهاءك من السوق الداخلي، تذهب للسوق الخارجي حيث ستجد المطاعم والمحلات التي تبيع أدوات المطبخ الياباني وغالبيتها تكون يدوية الصنع وذات جودة عالية. ولتكون جولتك مريحة عليك ارتداء حذاء مناسب يمكّنك من المشي بحرية على الطرقات المبللة بالماء، ولا تنسى اصطحاب الكاميرا معك على أن تكون ذاكرتها فارغة لتستوعب أكبر عدد من صور المشاهد التي لن تراها إلا هناك.

ويعود تاريخ سوق “تسوكيجي” إلى القرن السابع عشر الميلادي، وبالتحديد سنة 1603 حينما أراد الحاكم ضمان إمداد القلعة التي مثلت مقراً للحكم بالسمك طوال العام، وسمح للبائعين ببيع ما يفيض معهم للعامة، وبمرور الأعوام تم تطوير السوق وتوسعته أكثر من مرة كان آخرها في مارس 1923، وما لبث هذا السوق أن دمر تماماً بعد الزلزال الشديد الذي تعرضت له طوكيو في سبتمبر من نفس العام، وتم بناؤه من جديد عام 1935 ولكن في منطقة أخرى هي التي عليها السوق الآن والتي تبلغ مساحتها 374 ألف متر مربع، ومن وقتها يمارس “تسوكيجي” نشاطه، ومن المتوقع توسعته في 2014 وانضمام محلات أكثر له.

جانب من السوق الداخلي حيث يُعرض السمك بطريقة جذابة

جانب من السوق الداخلي حيث يُعرض السمك بطريقة جذابة

العجيب أن هذا السوق هو مفتاح لصناعات أخرى؛ ففي نهاية يوم طويل من العمل تخرج منه 90 طن من المخلفات، وهي كمية تعادل مخلفات مدينة يسكنها 90 ألف نسمة، ونصف هذه المخلفات عبارة عن ورق وكرتون مقوى، وتُوضع المخلفات في أعمدة متجاورة طولها 5 أمتار بجانب بعضها، ويتم شحنها إلى مستودعات في الصين لإعادة تدويرها، وفي النهاية يتم تحويلها إلى حبيبات بلاستيكية تُعرف بالـ (جرانولا) وتُباع للمصانع التي تصنع شماعات الملابس والأكياس البلاستيكية وغيرها من الصناعات الخفيفة.

أما المخلفات الناتجة من تقطيع السمك، وتُقدر بنحو 30 طن، فيتم توزيعها على مراكز متخصصة تقوم بغلي هذه المخلفات ومعالجتها بالطرد المركزي لفصل الزيت عن المواد الصلبة، ويُستخدم الزيت في صناعة الصابون ومستحضرات التجميل، أما المواد الصلبة فتذهب كغذاء للدواجن والماشية والأسماك مرة أخرى.

المصادر: 1، 2، 3

شارك برأيك