” بلاد شمس منتصف الليل”؛ معنى شاعري لاسم ينبض بروح الخيال، ويشبه أسماء البلدان في حكايات “ألف ليلة وليلة” و أساطير الشرق القديمة، بهذا تعرف “آيسلندا / Iceland” التي يستمر نهارها أربع وعشرين ساعة في شهر يونيو، ويمسي نهارها مظلمًا كالليل تمامًا في شهر ديسمبر! والأكثر إدهاشًا وجاذبية أن لطبيعتها الفريدة من نوعها نصيبًا من سحر اسمها البديع؛ إذ تنتشر الأنهار الجليدية التي تغطي 12 بالمائة من مساحتها مصاحبة ينابيع المياه الحارة التي تتدفق وسط الجليد فينتشر الدخان والبخار فوقها راسمًا لوحة طبيعية آسرة يندر أن تكون في بلاد أخرى، وجاعلاً منها منتجعًا مثاليًا للسياحة والاستجمام.
خليج الدخان!
تلك الخصوصية الطبيعية التي يؤطرها تصاعد البخار من قلب الثلوج كانت سببا في تسمية اسم عاصمتها “ريكيافيك / Reykjavik “، أي “خليج الدخان” بهذا الاسم. وليست الطبيعة وحدها سر جاذبية تلك العاصمة التي تحتضن عددا كبيرًا من سكان هذا البلد الصغير؛ بل حياة السهر التي تنبض بها شوارعها ليليًا مرفهة عن نفوس السكان والزوار، ومواطن الاستجمام الغنية بمياه صحية ثرية بمادة ثاني أكسيد السليكون عند مدخل ” البحيرة الزرقاء” التي تبعد 40 كيلومترًا عنها، وهي بحيرة كبيرة تكونت من الحمم البركانية لتمتلئ بالمياه العلاجية الحارة التي يمكنك الاستحمام فيها إن زرت المكان، او الجلوس في أحد المطاعم والمقاهي المتناثرة حول البحيرة. من أشهرها “مطعم اللؤلؤ” الذي يمتاز بشكله الغريب المصمم من خزانات مياه كبيرة يتربع على رأسها مبنى زجاجي فريد من نوعه، ويقال أن هذه الخزانات الضخمة هي التي تمد العاصمة “ريكافيك” بالمياه الدافئة، وخارجه ترى براكين مياه ساخنة تثور أحيانًا كل دقيقتين أو ثلاث.
وقد يكون عدد البراكين التي تمتاز بها من أسباب اعتبارها بلد العجائب والمتناقضات رغم مساحتها الصغيرة التي لا تكاد تتجاوز103.000 كيلومترًا مربعًا، والتي من أهمها ” إلدغيا” و “هيردوبريد” و”إلدفيل” وبركان “هيكلا / جبل النار” الذي يصل ارتفاعه إلى 447 مترًا، و بركان “أيافيالاكول” جنوب آيسلندا، والذي كانت آخر ثوراته عام 2010 بعد سكون امتد لأكثر من 200 عام، وكانت تلك الثورة المباغتة سببا في تسليط الضوء الإعلامي على آيسلندا بتسببه في تعطيل حركة السفر والنقل الجوي وإلغاء آلاف الرحلات من وإلى قارة أوروبا. وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة طريفة؛ وهي أن آيسلندا لا تنتمي لأوروبا أو أمريكا الشمالية؛ لأنها نتجت من ارتفاع القشرة الأرضية فوق ما يسمى بـ “الصفائح التكتونية”، وليست على الأرض القارية كالغالبية العظمى من أراضي بلدان العالم، فصارت تقع على الصفيحتين الجيولوجيتين لكلتا القارتين، وصارت تابعة للقارة الأوروبية رسميًا وليس جيولوجيًا. ومع الانتشار الواسع للطاقة الحرارية الأرضية، واستخدام العديد من النهار والشلالات في الطاقة الـ “كهرومائية”، يمتلك معظم السكان مياهًا ساخنة، وتدفئة منزلية غير مكلفة، كما أن التقدم التقني للمجتمع الآيسلندي، والاقتصاد الحر ذو الضرائب المنخفضة مقارنة ببقية دول “منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية” جعلها في الأعوام الأخيرة من أغنى وأكثر البلدان رقيًا في العالم وفقا لتقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة. هذا الرخاء الاقتصادي انعكس إيجابًا على نظام الرعاية الاجتماعية هناك؛ موفرة بذلك الرعاية الصحية المجانية والتعليم ما قبل الجامعي للجميع. وكنتيجة لهذا الرخاء الاقتصادي والاجتماعي تميزت بتقدم فني تشكيلي، وموسيقي، وأدبي، غرضه التنمية الروحية والترفيه عن الناس، وازدهر الفن في الأعوام الأخيرة ليصبح المشهد الفني هناك مسرحًا للعديد من المعارض والمشاريع الضخمة.
أماكن متميزة
تعد صالة “كلينغ أونغ بانغ” التي تحولت إلى مجمع استوديو من أهم معارض البلاد الفنية، أما أكبر المتاحف فهي: “متحف الفن الحي”، و “متحف الفن البلدي”، و”متحف ريكافيك” الفني، و”المتحف الآيسلندي الوطني” الذي يضم تاريخ آيسلندا القديم والمعاصر. ويوجد فيها ثلاث حدائق وطنية، هي: “فاتنايوكول” و “سنيفيلزيو كول” و “بنجفيلير”، كما يعد شلال “ديتيفوس” في شمال شرق آيسلندا من أكبر شلالات أوروبا وفقا لمعدلات التدفق، إضافة إلى السخانات المائية الطبيعية التي أشهرها سخان “غيسر” الذي عاد للثوران بعد سلسلة الهزات الأرضية في مطلع الألفية الثالثة، وسخان “ستركور” الذي ينبثق مرة كل 5 أو 10 دقائق بعد فترة ركود قصيرة. ولعشاق التسوق هناك شارع “لاكَافيكَور Laugavegur” المطوق بالمحلات التجارية، ومركز “كرينكَلان Kringlan” الذي يضم هو الآخر عددًا من المحلات، ومن الأسواق المحلية الرخيصة هناك “كولابورشيو ماركت Kolaportio Flea Market”.
تنفرد آيسلندا كذلك بجزيرة “سرتسي” التي سميت بهذا الاسم تيمنًا بـ “سرتر”؛ أحد شخصيات الميثولوجيا الاسكندنافية التي ينتمي لها التاريخ الآيسلندي. وهي واحدة من أحدث الجزر في العالم، ارتفعت فوق مستوى المحيط بعد سلسلة من الانفجارات البركانية بين نوفمبر 1963 و يونيو1968، ولا يُسمح إلا للعلماء الباحثين في تطور الحياة الجديدة بزيارة الجزيرة.