جامع السلطان قابوس الأكبر: بصمة عمانية معاصرة في تاريخ العمارة الإسلامية

يرتفع “جامع السلطان قابوس الأكبر“، والذي يعتبر بحجمه وفخامته العالية أكبر مساجد السلطنة العمانية حتى اليوم، شاهدًا حيًا مهيبًا على الدور الرائد للعمانيين في الحضارة الإسلامية المنعكسة بوضوح على عدد غير قليل من المعالم العمرانية ، إضافة إلى تميزه بتصاميمه الأنيقة التي اقتبست من حضارات أخرى كان لها دورها الأكثر حضورا وتأثيرًا في المنطقة، مبرزا بزخارفه الدقيقة المحفورة على الجدران اندماجا فريدا بين الفن الهندي والبيزنطي والعثماني العريق، ومقدما صورة مبهرة للعلاقة الأصيلة بين العمران الإسلامي وارتباطه بنماذج متنوعة من الفنون.

يقال أن زيارة العاصمة العمانية “مسقط” لا تكتمل إلا بزيارة هذا الجامع الذي أمر ببنائه “السلطان قابوس بين سعيد الأكبر”، واستغرق بناؤه نحو ستة اعوام قبل أن يفتتح عام 2001م، ليرتفع بكل عزة وإباء على الطريق السريع المؤدي إلى مسقط بقبته الذهبية، ومآذنه الخمس التي تصدح بالدعوة إلى الصلاة، وجنائنه الواسعة المبهجة للنفس والبصر، مستقطبا ألفي زائر يوميا بين مواطنين، ومقيمين، وسياح، وطلاب علم. إذ يضم الجامع مكتبة تحوي قرابة عشرين ألف مجلد ديني وعلمي وفكري وأدبي، إضافة إلى قاعة للمحاضرات، ومركزًا للمعلومات الإسلامية، ومعهدًا للعلوم الإسلامية.

زخارف غنية

تتجلى روعة الإبداع الزخرفي في أروقة المسجد التي تم تقسيمها إلى ردهات، تمتاز كل ردهة بزخارفها التي تنتمي إلى حضارات إسلامية متنوعة، كالزخرفة العمانية، والعثمانية، والمملوكية، والمغربية، والحجازية، والمغولية، وزخرفة آسيا الوسطى، والزخرفة الإسلامية المُعاصرة التي تضفي على روحانية المكان وبهاءه بهاء جديدًا، وتعزز مفهوم حوار الحضارات في الإسلام. كما تم استيحاء أشكال العمارة العمانية العريقة في الزخارف المستخدمة في تصميم الجدران، والسقوف، والشمسيات المغشاة بالزجاج الملون.

والداخل إلى الجامع لا بد وأن يلاحظ مجموعة الزخارف الإسلامية الغنية المحفورة على أبواب المصلى الخشبية، أما الأبواب التي تربط الصحن الداخلي بمصلى النساء؛ فتضم مشربيات مبطنة بألواح الزجاج الملون. بينما ترتسم على الجدران الخارجية عليها زخارف متميزة تم حفرها بأشكال هندسية ونباتية وآيات قرآنية كريمة مكتوبة بخط الثلث العريق، وتزداد كثافة الزخارف مع الانتقال من فضاء الجامع الخارجي إلى حرمه الداخلي. كما تعتبر السجادة الفاخرة من أجمل مقومات التصميم الداخلي لجامع السلطان قابوس الكبير؛ إذ تمتد على بلاط المصلى بقطعة واحدة تغطي مساحة 4263 مترًا مربعًا، واستغرقت حياكتها يدويا في إيران بواسطة ستمائة شخص 27 شهرًا، لتجمع بين مواصفات سجاد تبريز وأصفهان وكاشان الأصلية، واستخدم في نسجها 28 لونا بدرجات متفاوتة، فدخلت موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية باعتبارها أكبر سجادة في العالم، كما تجدر الإشارة إلى أن ثريا قاعة الصلاة، والتي يبلغ طولها 14 مترًا، هي ثاني أكبر ثريا في العالم حتى اليوم بعد الثريا الأولى في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي.

تصاميم فريدة

يمتاز هذا الجامع بتفرده الذي يجعل منه تحفة فنية دينية ليس لها نموذج مشابه في المنطقة. يتسع المصلى الرئيسي لأكثر من ستة آلاف وخمسمائة مصلٍ، مع إمكانية احتواء الصحن الخارجي لثمانية آلاف مصل، وبإضافة الصحن الداخلي والأروقة؛ فإن السعة الإجمالية للجامع تشمل 20 ألف مصلٍ ومصلية. وتكوّن جدران الرواق الجنوبي منه ساترًا مرئيًا يضم مجموعة من  مرافقه الوظيفية؛ منها المكتبة، وقاعة الاجتماعات والندوات، وأماكن الوضوء. وتبدو الأروقة بمثابة سور أمين حول عمارة الجامع، تختتم بالمآذن الأربع التي  ترسم حدود الموقع بارتفاعها الذي يصل إلى 45 مترًا من أصل خمس مآذن عالية تشير إلى أركان الإسلام الخمسة. أما قبة الجامع فتتمتع بمقرنصات تشكل مثلثات كروية هندسية ضمن هيكل من الأضلاع والأعمدة الرخامية الخالصة المتقاطعة بأقواس مدببة مرصعة بألواح من القيشاني الجميل، بينما تم تصميم المحراب بإطار مرتفع يضم تقاسيم متراجعة في عمق الجدار، وتحيط بإطاره حاشية من الآيات القرآنية الكريمة، وثنية خزفية على شكل حبل مفتول مصنوع من الخزف المطلي بالذهب، وتعتلي فتحات الجدران الجانبية شبابيك زجاج ملون بزخارف تتوافق مع طبيعة زخارف الجدران الناطقة بالأناقة والجمال.