كمحراب أصيل يطل في عظمه على ضفاف نهر النيل وفي أحد المبانى الملحقه بقصر المانسترلي…يجذبك مزيج من الطرب والفن الجميل، يلفت نظرك صورة طبيعية من السحر والجمال، وتشد آذانك نغمات لصوت طالما التف حوله كثيرون؛ صوت يذوب وجداً ويحرك فينا شعور عميق بالشجن.. صوت أم كلثوم الساحر، والذى يحتضنه متحف يحمل اسم “كوكب الشرق أم كلثوم”.

بعض من صور أم كلثوم في متحفها بالقاهرة

افتتح المتحف رسمياً في ديسمبر 2001 ضمن سلسلة من المتاحف تؤرخ لحياة مشاهير الأدب والفن مثل الدكتور طه حسين، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والموسيقار محمد عبدالوهاب وغيرهم من شخصيات عملاقة ساهمت في صنع تاريخ مصر الفني والثقافي. وأقيم متحف أم كلثوم لدورها في إثراء الوجدان المصرس والعربي، وحرصاً على تراثها الفني. وفي السطور القادمه نتجول معاً داخل المتحف الذي يضم مقتنياتها الشخصية وصوراً من حياتها وجوائزها وأشياء نادرة يراها الزائر للمرة الأولى.

قد لايحلو لك زيارة المتحف إلا بعد نهار صيفي حار، وقبل أن تودع الشمس سماء جزيرة الروضة على ضفاف النيل حيث يقع المتحف، فيداعبك النسيم المنعش وأنت تسير في ممر طويل تحفه الزهور الملونة على جانبيه، وأمامك نيل القاهره يسترخي في كسل، ويرهف السمع لتلك الأنغام  الساحرة التي تتسلل مع الكلمات الرائعة (رجعونى عنيك لايامى اللى راحو، علمونى اندم على الماضى وجراحه… اللى شفته).

ترنيمة الحنين

صورة من رحلة أم كلثوم إلى الكويت واستقبال الشيخ صباح السالم لها

يستقبلك على باب المتحف منديل أم كلثوم الأحمر الشهير والذى طالما احتضنته يدها في معظم أغنياتها، وكأنها تستمد منه إحساسها، وعلى الجانب الآخر من مقدمة القاعة الأولى تقع أنظارنا على نظارتها السوداء والتى أخفت بها عينيها وصارت جزءاً من شخصيتها، وفي القاعة الثانية نجد مجموعة كبيرة من الصور النادرة لأم كلثوم  تجمعها مع مشاهير العالم منهم الفنانين والملوك والأمراء والدبلوماسين، وكذلك صور من حفلاتها يظهر فيها جمهورها الراقي ونرى فيها انفعالاته بغنائها على خشبة المسرح، وتتفرع هذه القاعه لنرى شاشة سينمائية عملاقة تحويها قاعة جانبيه يعرض عليها أجزاء من أفلام أم كلثوم، كما يُعرض فيلماً تسجيلياً موثقاً بصور نادره ملامح حياة  كوكب الشرق.

وعلى الجانب الآخر من القاعة تستوقفك مجموعة من الفساتين الانيقة التي ارتدتها أم كلثوم في حفلاتها وأفلامها الشهيرة، ورحلاتها المختلفه في أرجاء الوطن العربي، وأمام هذه الفساتين تتراص مجموعة من الصور المختلفه لأم كلثوم في تشكيل بانورامي تمثل مراحل عديده من حياتها؛ فهناك صور لوالدها وأفراد أسرتها، وعدد من الفنانين والمثقفين والأدباء والدبلوماسين وتعكس الصور علاقاتها بكبار الشخصيات المرموقه وزيارتها داخل  مصر والعالم العربي.

فساتين أم كلثوم

أوسمة ونياشين

وفي غرفة ملحقة بالقاعة الرئيسية  يلفت نظرك  تشكيلة من الأوسمة والنياشين وشهادات التقدير التي حصلت عليها أم كلثوم من ملوك وهيئات دوليه من كل أنحاء العالم العربي، مثل وسام الاستحقاق السوري، ووسام النهضه الذي قلده إياها الملك حسين، ووسام الكفاءة الفكرية من ملك المغرب الحسن الثاني، ونرى كذلك وسام الاستحقاق المصري وعدداً من مفاتيح المدن المصريه المختلفه والتي حصلت عليها عند زيارتها لهذه المدن  يتصدرها مفتاح مدينة دمنهور.

تسجيلات وهلال ماسي

وفي آخر غرفة بالمتحف تستوقفك مجموعة من المقتنيات التي تخص أم كلثوم منها ما هو شخصي مثل مجموعة من الاكسسورات والحقائب، بالإضافه إلى الأحذية التى يظهر فيها ذوقها الراقي البسيط، وهناك مجموعه مقتنيات أخرى بديعه يتوسطها عود جميل عزفت عليه كثيراً، وكذلك عدد من النوت الموسيقيه لأشهر أغنياتها، ومخطوطات كتبها بعض مؤلفي أشهر اغانيها مثل أغنية الحب كده لبيرم التونسى، وهذه ليلتى لجورج جرداق، وحيرت قلبي لاحمد رامي، وأنت عمرى لأحمد شفيق كامل. وأهم هذه المقتنيات جميعا “هلال ماسي” رائع الجمال حرصت على ارتدائه في معظم حفلاتها.

الهلال الماسي التي حرصت أم كلثوم على ارتداءه في حفلاتها

وأيضاً يشاهد الزائر تسجيلات نادرة وبعضاً من دفاتر مذكراتها الشخصية التي دونت فيها بعض الكلمات الفرنسيي لحفظها قبل رحلتها إلى باريس، ونلمح كذلك جواز سفرها الأحمر اللون والذى يُمنح فقط للدبلوماسين والشخصيات المتميزة، ووراء خزانة زجاجية أنيقه نشاهد مجموعة من الخطابات بين الفنانة الراحلة وبعض السياسين والقادة والمثقفين في عصرها.

وعلى جانب من الحاجز الزجاجي يبرز أول عقد أبرمته أم كلثوم مع الإذاعة المصرية لبث حفلاتها وأغانيها عام 1934، ويتراص بجوارها مجموعة من أجهزة الاستماع والتسجيل التي تؤرخ لتطور وسائل الاتصال السمعي.

وحصل المتحف على هذه المقتنيات الثمينة من محمد الدسوقي وفردوس الدسوقي أبناء شقيقة أم كلثوم اللذين قدما مقتنياتها من الملابس والصور والنياشين، كما ساهم زوجها الدكتور محمد حسن الحفناوي بكل ما لديه من مستندات وجميع ما كُتب عن ام كلثوم في الصحافة المصرية ويبلغ عددها 6929 مقالاً وخبراً صحفياً.

كما تستطيع عزيزي الزائر أن ترجع لهذه المقالات عبر أجهزة كومبيوتر موجوة في إحدى قاعات المتحف، وكذلك مكتبة سمعية بصرية خُزن فيها كل المعلومات الخاصة بأم كلثوم وكل أغانيها، وقاعة عرض للفيديو يذاع فيه شريط تسجيلي عن مشوار أم كلثوم ورحلتها الفنية، كما يقيم المتحف عدداً من الندوات عن موسيقى وأغنيات أم كلثوم، وأخرى عن التراث الموسيقي العربي.

ويقع متحف أم كلثوم في آخر شارع الملك الصالح بحي المنيل في القاهرة، ويفتح المتحف أبوابه يومياً من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الرابعة مساءً، وتكلف تذكرة الدخول جنيهين (0.3 دولار أمريكي تقريباً).

صور لبعض مقتنيات أم كلثوم المعروضة في المتحف: (لحجم أكبر اضغط على الصورة)

شارك برأيكإلغاء الرد