“لقد بدت لنا المدينة وهي محاطة بالجبال تمتد شرقاً وغرباً كأنها وهي كلها بيضاء سلسلة من الجبال الكاسية في سهل ذهبي منقطع الاخضرار أي صنعاء، مثلك لنا التاريخ فكنت مليكة الزمان، ومثلك لنا العلم فكنت يوماً ربة العرفان، ومثلك لنا الأساطير فكنت سيدة الأنس والجان” هكذا وصف الأديب أمين الريحاني العاصمة اليمنية صنعاء.
تعتبر صنعاء واحدة تعتبر من أهم المدن الأثرية في العالم وعلي وجه الخصوص العالم الإسلامي، كما أنها واحدة من أقدم مدن العالم، ويعود تاريخها لعدة قرون قبل الميلاد.
وتقع صنعاء وسط اليمن في منطقة جبلية عالية على جبال السروات، وتحيط بها مجموعة من الجبال الشاهقة، وليس لها منفذ على البحر، وترتبط بالعالم عبر مطار صنعاء الدولي، وبغيرها من المدن اليمنية عبر الطرق البرية كصنعاء صعدة المتجه شمالاً، وصنعاء الحديدة الذي يتجه إلى جنوب غرب البلاد، وصنعاء ذمار عدن الذي ينتهي في مدينة عدن الساحلية.
يعود تاريخ مدينة صنعاء إلى سلالة سبأ من القرن السادس قبل الميلاد. وقد عُرفت بعدة أسماء منها: “مدينة سام” نسبة إلى مؤسسها الأول سام بن نوح (عليه السلام)، والذي بناها بعد الطوفان، كما تعرف باسم “أزال” نسبة إلى “أزال بن يقطن” حفيد “سام بن نوح”، وما يزال اسم أزال معروفاً، وأكثر الأسماء شيوعاً “صنعاء”، ويعني في اللغة اليمنية القديمة القوة والمنعة؛ فكلمة صنع تعني حصن ومنع تعني تحصن. ويُقال أيضاً إنه يرجع لجودة الصناعة ذاتها التي اشتهرت بها أسواقها ومحلاتها، كقولهم “حسناء”.
وقد ورد اسم صنعاء في عدد من النقوش اليمنية القديمة، وأقدم تلك النقوش يعود إلى القرن الأول الميلادي، كما ورد في النقوش أيضاً ذكر قصرها التاريخي المشهور “غمدان”. وكان “ذو نواس” آخر ملوك الدولة الحميرية قد اتخذها عاصمة لملكه في مطلع القرن السادس الميلادي، وكذلك جعلها الأحباش الذين غزوا اليمن وحكموها من 525م حتى 575م. وخلالها بنى أبرهة الحبشي بنايته المشهورة بـ “القُلّيس”، والتي ما زالت موجودة حتى الآن؛ لتحل محل الكعبة في مكة. وكان أبرهة قد توجه إلى مكة، كما هو معروف؛ لهدم الكعبة عبر الطريق الذي عُرف بـ “درب أصحاب الفيل”.
ومن أهم ما يميز مدينة صنعاء القديمة تنوع آثارها وحضارتها؛ وخاصة ذلك التراث المعماري اليمني الأصيل الغني بالنقوش الدقيقة والرائعة المنقوشة علي جدران المنازل والقصور والمساجد والقلاع، ويحيط بالمدينة سور ضخم يرجع أقدم أجزائه إلي أيام دولة الأيوبيين ويبلغ هذا السور نحو خمسة أميال أبواب أربعة منها رئيسية تفتح في الصباح وتغلق في المساء وهي باب اليمن، باب شعوب، باب السبح، باب ستران، باب القاع، بابا الشقاديف، باب الروم.
كذلك اشتهرت صنعاء بأنها مدينة القصور ومن هذه القصور الأثرية قصر غمدان، والذي يعتبر أول ناطحة سحاب في التاريخ؛ فقد بُني في القرن الأول الميلادي، وهناك قصر ناعط وقصر الإمام والذي يسمي بستان المتوكل وقصر القليس.
وهناك الكثير من المعالم التاريخية والسياحية التي تزخر بها المدينة التاريخية مثل: الأسواق الشعبية القديمة، والحمامات الطبيعية والصحية القديمة، وغير ذلك من المعالم التي لا يشفي ذكرها سوي الزيارات لهذه المدينة التاريخية المعاصرة.
ومن أشهر المعالم التى يمكن زيارتها فى صنعاء “دار الحجر”، التي سُميت بذلك نشبةً إلى الصخرة التي شيدت عليها، وتوجد في منطقة وادي ظهر السياحية شمالي مدينة صنعاء، حيث تتربع دار الحجر على قمة صخرية في أعلى الوادي، وتمتاز الدار بفنونها المعمارية البديعة.
وبنى “دار الحجر” وزير الإمام المنصور العالم والشاعر علي بن صالح العماري، الذي كان متفرداً بعلم الهندسة والعمارة وذلك أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وتشكل الدار تحفة معمارية ومزاراً سياحياً يمتع الناظرين والزائرين.
وتمتاز صنعاء بالمساجد القديمة والتي كانت قرابة المائة وستة مساجد والتي لم يبق منها عامراً بالعبادة سوي أربعين مسجداً فقط، بالإضافة إلي ما تم بناؤه خارج المدينة القديمة بعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والتي يتجاوز عددها المائتين وخمسين مسجداً، ومن اشهر تلك المساجد المسجد الكبير، ومسجد الرئيس. كما تنوع الفعاليات الثقافية والفنية التي شهدتها صنعاء خلال السنوات القليلة الماضية؛ أهمها فعاليات صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004م.
وتمتلك صنعاء مقومات حضارية وثقافية وتاريخية وأثرية ذات طابع سياحي عالمي. وحظيت باهتمام كبير ممن زاروها عبر مختلف العصور فقد قال الرحالة العربي الراحل أمين الريحانى: “تراءت لنا رؤوس المآذن في تلك المدينة ثم قباب مساجدها وهي بيضاء تتوهج في نور الشمس الذي يترجرج كالزئبق في الجو الشفاف من الهواء، لقد بدت لنا المدينة وهي محاطة بالجبال تمتد شرقاً وغرباً كأنها وهي كلها بيضاء سلسلة من الجبال الكاسية في سهل ذهبي منقطع الاخضرار أي صنعاء، مثلك لنا التاريخ فكنت مليكة الزمان، ومثلك لنا العلم فكنت يوماً ربة العرفان، ومثلك لنا الأساطير فكنت سيدة الأنس والجان، أجل فكم ليلة وفي اليد الكتاب وإلى جانب الكتاب نور شمعة ضئيل تغلغلنا في سراديبك وقفنا عند كنوزك وطفنا حول قصورك وسمعنا الشعراء ينشدون الشعر في دورك واليوم ومطيتنا غير الخيال نشاهد ما يثبت المقال ويحقق الأمل هذه بيوتك العالية وقصورك الشاهقة فما كذب التاريخ، وهذا جمالك الطبيعي وبهاؤك العربي فما كذب الشعر وفي خزائنك الكتب النفيسة والمخطوطات فما كذب العلم وهذه كنوزك وسحر قصورك وسحر الأسماء فيك فما كذبت الأساطير كنا نظنها أسماء ابتدعها الشعراء لعرائس الجن والخيال ولكنها من الحقيقة في أعلى مكان، أجل إن صنعاء في محاسنها لا تخيب للزائر أملاً، وكلما دنوت منها وهو عكس الحقيقة في كثير من المدن ازداد رونقها وازداد إعجابك بها. هي في مقامها الطبيعي عجيبة فريدة، فيها الهواء أعذب من الماء، والماء أصفى من السماء، والسماء أجمل من حلم الشعراء”.