نادراً ما نجد أي معلومات عن التبت؛ فقد ظل الغموض يحيط بهذه المنطقة لقرون عديدة، إما بسبب تضاريسها التي عزلتها عن العالم رغماً عنها، وإما بسبب ثقافة أهلها التي أبعدتهم عن العالم الخارجي طوال تاريخهم. وهي في الواقع عبارة عن إقليم تابع للصين التي تحده من الشرق، وكشمير من الغرب، والهند من الجنوب، وتركستان من الشمال، ولا يتجاوز سكانها الثلاثة ملايين نسمة منهم 250 ألف مسلم.
رحلتنا اليوم إلى مدينة “لاسا” عاصمة التبت، وبالتحديد القصر الذي يمثل صفحة مفتوحة يحكي تاريخ التبت وتاريخ الديانة البوذية: قصر “بوتالا” Potala Palace، وهو قصر ذو قدسية خاصة لدى البوذيين، كما أنه أعلى قصر قديم في العالم؛ حيث يرتفع عن سطح البحر 3767 متراً.
“قصر بوتالا” يطل على لاسا عاصمة التبت
يعود تاريخ قصر “بوتالا” إلى أكثر من 1300 سنة؛ حيث تم بناؤه سنة 637 م ليكون في الأساس بيت الزوجية للإمبراطور التبتي سونغسين وزوجته، وعمل في عملية البناء نحو 7000 عامل، و1500 عامل زخرفة، وهو مكون من 1000 غرفة موزعة على 13 طابق، على مساحة 360 متراً مربعاً.
شُيد القصر على ربوة عالية جداً تشرف على مدينة لاسا من أعلى نقطة بها، وهي ما تُعرف بالتل الأحمر، لذا كان يُطلق عليه في كثيرٍ من الأحيان “قصر الجبل الأحمر”، ويغلب على ألوانه من الداخل الألوان الأحمر والأبيض والأصفر.
بقي هذا القصر كما هو بيتاً للإمبراطور وزوجته فترة طويلة إلى أن تم حرقه مرتين؛ المرة الأولى بفعل صاعقة شديدة أصابته، والثانية نتيجة الحروب العديدة التي كانت منتشرة وقتها في إقليم التبت، وتم إعادة بنائه في سنوات لاحقة من احتراقه، وذلك عندما قام حاكم التبت سنة 1645 بتوسيعه وإعادة بنائه، وصار من يومها مركزاً لحكومة التبت، وفي نفس الوقت مكاناً لإقامة دالاي لاما، القائد الديني للبوذيين، في الشتاء فقط وذلك حتى العام 1959م، فمنذ ذلك التاريخ تحول القصر إلى متحف للآثار التاريخية وتم فتحه للجمهور، وهو الآن واحد من المواقع السياحية الأكثر جاذبية في الصين.
قصر بوتالا من أعلى نقطة في لاسا ليلاً
يتكون البناء الحالي لقصر “بوتالا” من جزأين هما: القصر الأحمر في الوسط، وجناحين جانبيين باللون الأبيض، وتم تخصيص القصر الأحمر بالكامل لدراسة العلوم الدينية والصلاة البوذية؛ فهو مركز ديني يحتوى على قاعات وغرف متداخلة كمعابد ومكتبات تضم كتب الديانة البوذية بالإضافة إلى قبر الدالاي لاما الثالث عشر ، وتم طلاؤه باللون الأحمر الذي هو رمز القوة والعظمة لدى البوذيين. أما الجناح الأبيض على الجانبين فيمثل مركزاً إدارياً للإقليم بالإضافة إلى مكان إقامة الدالاي لاما السابق، وطُلى باللون الأبيض الذي يُمثل رمزاً للسلام.
البحيرة التي تقع خلف قصر بوتالا
وتملأ جدران قصر بوتالا العديد من نقوش جميلة تمثل الحكايات والتعاليم البوذية، وبه عشرات الآلاف من المخطوطات القديمة التي تمثل قيمة كبيرة لدى البوذيين، كما يحتوي على أكثر من 10 آلاف تمثال بوذي، كل هذا يشكل القيمة الدينية والتراثية للقصر.
صورة من داخل القصر .. وهي غرفة الحاكم عندما كان القصر مقراً للحكم
ومنذ عام 1961 أصبح قصر “بوتالا” ضمن الآثار المحمية الهامة للدولة، ومنذ عام 1985 خصص مجلس الدولة في الصين مبلغاً هائلاً لترميمه بشكل شامل، وكان هذا التمويل هو أكبر تمويل لحماية البنايات الأثرية القديمة منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية.
يتميز القصر بألوانه الزاهية والنقوش البوذية
وتُعد زيارة هذا القصر الرائع من أهم الأسباب التي تدفع البوذيين للحج سنوياً إلى إقليم التبت؛ فهو ليس مجرد تحفة من العمارة التبتية، لكنه أيضاً كنز من أفضل الأعمال الفنية التي تعتبر انعكاساً لتاريخ التبت وثقافته، وجزء مهم من تراث البشرية بصفة عامة؛ فقد اعتبرته منظمة اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمي منذ عام 1994 م.
دليل الزيارة
- يفتح قصر بوتالا أبوابه للجمهور من التاسعة صباحاً حتى الرابعة عصراً باستثناء أيام العطلات.
- قيمة التذاكر 100 رينمينبي أو يوان (تعادل 15 دولار أمريكي) في الفترة بين 1 نوفمبر إلى 30 أبريل، وبـ 200 رينمينبي من 1 مايو إلى 31 أكتوبر من كل عام، ومجاناً للأطفال تحت 3 سنوات ولكبار السن أكثر من 70 سنة.
- قائمة الممنوعات أثناء الزيارة: ارتداء القبعات أو النظارات داخل القصر، ممنوع التصوير في بعض أجزاء القصر، جلب المواد الغذائية والمشروبات داخله.
