لم تعد للكتب مكانها على أرفف المكتبات، وإنما انتقلت إلى أرصفة الشوارع التي تحولت إلى طاولات عرض، وأسوارها واجهات عرض؛ فتحولت بعض الشوارع إلى معارض كتب مفتوحة، يؤمها الكثير من المثقفين ومحبي القراءة بحثاً عن كتاب نادر أو حتى إصدار حديث، وسحبت البساط من أشهر المكتبات، وحولت شوارع بعض العواصم العربية إلى مزارات للأدباء والمفكرين تباع على أرصفتها أشعار أحمد شوقي ونزار قباني، وروايات نجيب محفوظ وعبدالله ونوس..يقصدونها من مختلف الدول والأقطار لأن شهرتها تعدت حدود الوطن..
سور الأزبكية في القاهرة
“سور الأزبكية” في القاهرة اسم يتردد على ألسنة كل الكُتَّاب والمثقفين، ولا يوجد في مصر مثقف إلا وقد زاره منذ ظهوره عام 1957 في هذا الحي القاهري القديم الموجود منذ سبعة قرون.
هذا السور العريق كانت كتبه المصدر الأوّل لمعظم الكتّاب والمفكرين الكبار، و أصبح على مر السنين واحداً من أهم الأماكن التي يمكن لأي إنسان أن يجد فيها ضالَّتَه، نظرًا لما تزخر به مكتباته الـ133 بأمهات الكتب في كافة المجالات، كما أنه يزخر بباعة المجلات والصحف القديمة التي تؤرخ لتاريخ مصر.
وتعود قصة إنشاء هذا السور عندما كان باعة الكتب قديما قبل إنشاء السور يطوفون بالكتب على المقاهي، حتى بدأوا يفترشون كتبهم شيئًا فشيئًا بمحاذاة حديقة الأزبكية ، وبدأوا يعرضون كتبهم بجانب سور الحديقة منذ عام 1926م ، وكثيرًا ما كانت البلدية(شرطة الإشغالات) تطاردهم، حتى تم تقنين أوضاعهم في عام 1957 واستمروا حتى اليوم.
شارع المتنبي في بغداد.. واجهة ثقافية تراثية
شارع المتنبي في وسط العاصمة العراقية يعتبر السوق الثقافي لأهالى بغداد حيث تزدهر فيه تجارة الكتب بمختلف أنواعها ومجالاتها، ويوجد فيه مطبعة تعود إلى القرن التاسع عشر، كما يحتوي على عدد من المكتبات التي تضم كتباً ومخطوطات نادرة إضافة إلى بعض المباني البغدادية القديمة، وقد تمت تسميته بهذا الاسم في ثلاثينيات القرن الماضي تيمناً بالشاعر الكوفي أبو الطيب المتنبي.
يقع هذا الشارع في الجانب الشرقي من نهر دجله وسط العاصمة بغداد، ويعتبر يوم الجمعة عيد الثقافة الأسبوعي العراقي غير المعلن، حيث يفد رواد الثقافة في بغداد والمحافظات القريبة منها وبأعداد كبيرة إلى الشارع؛ للأطلاع على المعروض واقتناء مايحتاجونه من كتب.
ويكاد يكون شارع المتنبي بيئة متكاملة لعملية إعداد الكتاب، وطبعه وتجليده ومن ثم بيعه، وتنتشر فيه وفي الأزقه المتفرعة المطابع ومحلات التجليد.
نهج الدباغين في تونس العاصمة
على بعد أمتار من الطريق المؤدية إلى نهج “الدباغين” بالعاصمة التونسية لا بد وأن يلفت انتباهك الكتب المنشورة على أرضية الرصيف، وأخرى على مناضد خاصة، حيث يمتزج سحر المطالعة المنتشرة هنا وهناك برائحة الكتب التي تغمر المكان.
هناك فئة معينة تقبل على شراء الكتب كالمثقفين، و يجد المولعون بالقراءة والمثقفون في هذه الفضاءات لبيع الكتب القديمة أنواعاً عديدة من المراجع النادرة والكتب المفقودة التي يصل عمر بعضها إلى الخمسين سنة وبأسعار مناسبة جداً.
والغريب أن بعض الباعة هناك لا يعرفون قيمة الكتاب أو المرجع لذلك يكون البيع اعتباطياً، ولا يعبر عن القيمة الحقيقية للكتاب، ويكفي أن يباع مرجعاً يتكلف آلاف الدينارات التونسية بالعشرات فقط منها.
جسر الرئيس في دمشق
لا يزال سوق الكتب المستعملة المختبئ تحت جسر الرئيس في منطقة البرامكة بدمشق، ينظر إليه كسوق للكتب المستعملة التي تنشط الحركة الثقافية هناك، وله تاريخ عريق يقصده عدد كبير من أبرز الأسماء المعروفة في ميدان الثقافة.
بدأت حكاية هذا السوق في فترة السبعينيات عندما تم منع الباعة الجائلين من عرض الكتب على الرصيف، حيث كانوا كل يوم جمعة يعرضونها على طريق الصالحية والذي كانت تسميته حينها بسوق “عكاظ الدمشقي” حيث كان ملتقى للأدباء والصحفيين والأساتذة والطلاب، فتوقفوا عن العمل بعد أن منعتهم الحكومة من الوقوف، وبعد عدة مطالب أوجدت لهم هذا السوق.
محيط الجامعة المركزية في الجزائر
تشهد تجارة الكتب المستعملة في الجزائر انتعاشاً لافتاً في الفترة الأخيرة، خصوصا في محيط الجامعة المركزية في العاصمة، ويواظب كوكبة من الشباب والكهول على عرض الآلاف من الكتب القديمة والمجلات والقواميس، وصارت أرصفة العديد من ساحات وسط العاصمة عنواناً لحركة معرفية اجتماعية متميزة.
وتنطبق مقولة “قد نجد في النهر ما لا نجده في البحر” تماما على ظاهرة بيع الكتب المستعملة أو القديمة التي غزت سائر المدن الجزائرية وصارت تزاحم باعة التوابل والمقبّلات وتوابعهما، وتعرف مختلف الساحات والميادين إقبالاً متزايداً لمحبي المطالعة الذين يستغلون الفرصة لشراء كتب بسعر رمزي، علما أنّ الكتب ذاتها غالية الأثمان في المكتبات العامة والخاصة على حد سواء.
الجامع الحسيني والساحة الهاشمية في الأردن
انتشرت في الآونة الأخيرة في العاصمة الأردنية عمان ظاهرة بيع المجلات والكتب القديمة التي يعود تاريخ صدورها لسنوات عدة، حيث تباع على طاولات أو تكون معلقة على الأسوار في مناطق وسط البلد والجامع الحسيني القديم، فيما يختص شارع الساحة الهاشمية بمكتبات الأرصفة منذ ستينيات القرن الماضي.
يعتبر المثفقون ظاهرة بيع الكتب على الأرصفة مستمدة من سور الأزبكية في القاهرة، ويعتمد عليها الكثير من الموظفين والطلبة بشكل أساسي لكونهم يبيعون أحدث الكتب والمجلات بأسعار مخفضة عن المكتبات، كما يجد البعض أحدث الكتب والمجلات مستنسخة ولكن بأسعار يصعب على الكثيرين دفعها مما يجعلهم يستأجرونها ليوم أو لعدة أيام لقاء مبلغ مادي.
و رغم تخصيص وزارة الثقافة الأردنية لمكان خاص لبيع الكتب للقضاء على الظاهرة وهو شارع الثقافة في منطقة الشميساني، إلا إن لمكتبات الأرصفة روادها وأيامها الخاصة وتحديداً بعد ظهر الجمعة عند الجماع الحسيني من باعة ورثوا المهنة أباً عن جد.
حديقة التحرير في صنعاء
وفي اليمن ارتقت ظاهرة بيع الكتب المستخدمة في العديد من أرصفة الشوارع مستوى الظاهرة، ولعل أبرز تلك الأماكن الشارع المحاذي لحديقة التحرير في قلب العاصمة صنعاء، فهناك تُصاب بالدهشة وأنت ترى عدد كبير من العناوين في مختلف مجالات الثقافة والأدب، والتراث والدين والنقد والفلسفة والفن، كتب غريبة وعجيبة معظمها تجدها تُعرض وهي تحمل إمضاء أصحابها الذين باعوها وأرقام هواتفهم أحياناً ،كما أنها مليئة بالملاحظات والهوامش بل وحتى الإهداءات من شخص لآخر !