دوسلدورف لؤلؤة نهر الراين..هكذا تُوصف المدينة الألمانية، فما سر جمالها متعدد الجوانب، والذي يجذب زائرين مختلفي الأذواق والغايات؟ ربما يكمن السبب الأول في الطبيعة الساحرة التي تميزها؛ ولا عجب فهي تقع على الدلتا التي يصب فيها نهر الدوسل في نهر الراين. لكن دوسلدورف لا تكتفي بجمال المناظر الطبيعية، فهي كذلك وجهة لمحبي الفنون والمتاحف والإبداعات المعمارية المتميزة، كما تستقطب عشاق التسوق، والباحثين عن السياحة العلاجية، بجانب دورها كأحد المراكز التعليمية والاقتصادية في ألمانيا.

أجواء الربيع في دوسلدورف، ألمانيا

جمال دوسلدورف في فصل الربيع

تعني دوسلدورف Düsseldorf بالألمانية “قرية الدوسل”؛ لأنها كانت في العصور الوسطى مجرد قرية مغمورة على نهر الدوسل، ولكنها اليوم تعدت كونها قرية أو ضيعة؛ فهي عاصمة ولاية شمال الراين وستفاليا، كبرى الولايات الألمانية من حيث عدد السكان، ومقر حكومة الولاية وبرلمانها. وتُعد دوسلدورف أحد المراكز الاقتصادية الهامة في ألمانيا؛ ففيها ثلاثة ألاف شركة عالمية عملاقة كشركة “لوريال” لصناعة مستحضرات التجميل، و”هنكل” للسلع الاستهلاكية، كما أنها تمتلك بورصة ذات ثقل عالمي.

دوسلدورف ..طوكيو في ألمانيا!

دوسلدورف أحد الأمثلة على التنوع الثقافي في ألمانيا؛ ففي المدينة تعيش جالية عربية كبيرة في الحي المغربي الواقع خلف محطة القطار الرئيسية، وفيه عشرات المحلات والمطاعم المغربية، بجانب آلاف المهاجرين العرب والأتراك والأفارقة، كما يقطن بالمدينة قرابة 7000 ياباني يضفون صبغة آسيوية عليها، جعلت البعض يطلق عليها “عاصمة اليابان على نهر الراين”.

“برج الراين” الأعلى في مدينة دوسلدورف

فنون الهندسة المعمارية على الراين

تقع مدينة دوسلدورف على نهر الراين، الأكبر في ألمانيا، مما منحها جمالاً طبيعياً، وأثر على فن الهندسة المعمارية فيها، وبذلك نشأت الكثير من المباني ذات التصميم المتفرد على ضفة النهر. ومن المعالم الحديثة برج الراين “Rheinturm”، الذي بُني بين عاميّ 1979 و1982، ويرتفع لنحو 234 متراً، مما يجعله أعلى مباني المدينة. ويضم البرج في قمته مطعماً دواراً يوفر لزائريه مشهداً ساحراً للمدينة، والمبنى المستدير لبرلمان ولاية “شمال الراين وستفاليا”. وفي قمة برج الراين أكبر ساعة عشرية في العالم، وفقاً لموسوعة جينيس للأرقام القياسية، وتتكون من فتحات دائرية رُتبت في ثلاثة أقسام مرتفعة فوق بعضها البعض.

أما ما يُمثل تحولاً كبيراً في عمارة دوسلدورف فهو”مرفأ الإعلام” أو “ميدين هافن”، فمن الصوامع والمخازن التي ميزت المدينة فيما مضى إلى مبان شاهقة وأبراج قام ببنائها مهندسون معماريون مشهورون على مستوى العالم، و يجد فيه الزوار مجموعة متنوعة من المقاهي والمطاعم الحديثة والمتاجر الراقية.

وتبرز أيضاً المباني الثلاثة المائلة المعروفة بمباني “جيري باوتن” أو “Gehry – Bauten” من تصميم المهندس الكندي الأميركي فرانك جيري، وتعتبر الأبراج الثلاثة متفردة لأكثر من سبب؛ فالنوافذ تبدو بارزة من التصميم، وتختلف واجهات المباني فيما بينها، فالجزء الأول يغطيه البياض الناصع، والجزء الآخر يتميز بواجهة من الطوب الأحمر، أما الجزء الأوسط مغطى بقطع فضية تنعكس في المبنيين الآخرين، ما يعكس نوعاً من الروابط وشراكة الشمال والجنوب.

المباني الثلاث المائلة “جيري باوتن”

تسوق في “شانزلزيه” ألمانيا!

تشتهر دوسلدورف بكونها عاصمة للموضة العالمية ومركزاً لأحدث تصاميم الأزياء، حيث تضم عدداً كبيراً من المتاجر وصالات العرض التي تحتوي على إبداعات أبرز المصممين العالميين.ومن أشهر وجهات التسوق الفخمة ما يُطلق عليه “شانزلزيه ألمانيا” أو شارع “كونيغسآليه” واختصاراً “كو”، ومن أشهر مراكزه “كو غاليري”، “كو سنتر” و”سيفينس سنتر”. ويتميز شارع كو بصف الأشجار تُزين جانبيه، وبخندق (كو ـ غرابن) المائي الذي يشق منتصف الشارع، وتتدفق فيه مياه “نهر الدوسل”، مع العديد من المنحوتات والنوافير والجسور المزخرفة. كما يقصد محبي التسوق شوارع أخرى كشارع شادوشتراسيه، و فريدريكشتراسيه.

متاحف وتاريخ عريق

تزخر دوسلدورف بالمتاحف والمعارض والمباني العريقة التي ترجع إلى العصور الوسطى، كمتحف غوته “Goethe-Museum” في قصر ييغرهوف الذي بُني عام 1772، ويضم نحو 1000 قطعة تمثل أهم المقتنيات الشخصية لعميد الأدب الألماني، ومنها الطبعات الأولى لأعماله الشعرية، إلى جانب مخطوطاته الأصلية، بالإضافة إلى صور للمدن والمناظر الطبيعية التي كتب فيها غوته أشهر مؤلفاته، ولوحة زيتية تجسد مشاهد من قصته الشهيرة فاوست.

يعرض متحف جوته مقتنياته الشخصية ومخطوطات مؤلفاته

كما تضم المدينة أكاديمية الفنون Kunstakademie ؛ ويتمتع البناء التاريخي للأكاديمية على الضفة الشرقية لنهر الراين بشهرة عالمية، حيث عملت أسماء فنية كبيرة بالتدريس هناك. بجانب متحف قصر الفن “Museum Kunst Palast”، ودار للأوبرا ومسارح متنوعة.

الوصول إلى دوسلدورف

ترتبط دوسلدورف بالعالم عبر مطارها، الذي يعتبر ثالث أكبر مطار في ألمانيا وأكبر مطار في ولاية (نوردراين فستفالن)؛ فهناك سبعون شركة طيران تعمل على وصل دوسلدورف بحوالي 180 وجهة في العالم بما في ذلك دول الخليج؛ فعلى سبيل المثال، تسيَر طيران الإمارات رحلات مباشرة مرتين يومياً بين دوسلدورف ودبي. وتوجد رحلات متصلة توفرها الخطوط الألمانية (لوفتهانزا) عبر فرانكفورت وميونيخ، علاوةً على الخطوط التركية و السويسرية.

والجدير بالذكر أن دوسلدورف تحظى بإقبال متزايد من السائحين من دول الخليج، وسجل عدد ليالي المبيت التي قضوها منذ عام 2003 زيادة بنسبة 115,7%. ومما يُعزز من مكانة المدينة وجود العديد من الفنادق المناسبة.

أما الوصف الأخير لدوسلدورف على لسان ابنها الشاعر الشهير هاينريش هاينه: “كم هي ساحرة دوسلدورف. عندما يكون المرء قد ولد بالصدفة فيها، ثم يفكر بها وهو بعيد عنها يغمره شعور رائع غاية في الغرابة. لقد ولدت هناك، وينتابني الآن شعور بحتمية عودتي إلى دوسلدورف، إلى موطني”.

للمزيد من صور “لؤلؤة الراين..دوسلدورف” (اضغط على الصورة لمشاهدتها بحجم أكبر)

شارك برأيكإلغاء الرد