Booking.com

كولونيا هي رابع أكبر وأشهر مدن ألمانيا الاتحادية… مدينة الكاتدرائية العظيمة الواقعة على نهر الراين بتاريخها العريق ومعالمها الشامخة، فحولها مركز المدينة وقلبها النابض، تدور الحياة دورتها بلا وجل فتبدو الكاتدرائية كحارس أسود مهيب، فلا مكان لخوف ولا مكان لحالة إلا الانبهار.

ترتدي المدن أثواباً شتى وتتلون صيفاً وشتاءاً، لكن لكل مدينة ثوباً واحداً لا تنفك ترتديه ولوناً واحداً لا تمل منه ولا ترغب عنه، وفى كولونيا حيث نهر الراين يموج بالمياه ومعها بالسكينة، تقف الكاتدرائية شامخة كبؤرة المدينة ومعلمها المميز.

في كولونيا، التي تُنطق بالألمانية (كولن)، قطع التاريخ أشواطاً وطوي أراضين؛ ففي القرن الرابع الميلادي قامت في نفس المكان حيث تنتصب الكاتدرائية اليوم كنيسة صغيرة، إلا أن أقدم المباني الكنسية المعروفة هو ذلك الذي يرجع بناؤه إلى العام 873م والذي اقتبس منه التصميم الحالي.

كاتدرائية كولونيا، كولونيا ـ ألمانيا

تبزر كاتدرائية كولونيا بين معالم المدينة الألمانية

قصة البناء في 300 عام

في العام 1164 قام رئيس الأساقفة في مدينة كولونيا الكاردينال (فون داسيلل)  بإحضار رفات القديسين المجوس الثلاثة الذين (تنبئوا بميلاد المسيح) من ميلانو في إيطاليا إلى كولونيا كهدية من القيصر (بارباروسا) الذي احتل ميلانو في نفس العام، وكانت رفاتهم قد أحضرت سابقاً من القدس أثناء الحملات الصليبية.

كاتدرائية كولونيا، كولونيا ـ ألمانيا

بُنيت كاتدرائية كولونيا على الطراز القوطي الفرنسي

وبالتالي لم تعد الكاتدرائية بتلك الميزة كنيسة رسمية عادية، حيث يقيم بطريرك محلى، ولكن أصبحت إحدى أهم وأشهر الكاتدرائيات وقبلات الحج في أوروبا قاطبة، ومن ذلك نشأت الحاجة والضرورة إلى التغيير في الشكل المعماري بصورة دورية، وبعد ذلك قرر الكولونيون أنفسهم إعطاء كاتدرائيتهم طرازاً معمارياً جديداً على الطراز الفرنسي القوطي.

وقد تم وضع حجر الأساس للكاتدرائية الحالية في العام 1248 تحت إمرة رئيس الأساقفة (كونراد فون هوخشتادن) حيث تم هدم البناء القديم، وبدئ في بناء كاتدرائية جديدة وفقاً لطراز البناء القوطى القديم المستوحى من الطراز الفرنسي، ولقد صممها المعماري جيرهارد متبعا تصاميم الكاتدرائيات في باريس وستراسبورج، واستمرت أعمال البناء في المبنى العملاق 300 عاماً تقريباً.

وفي العام 1322 تم افتتاح الجوقة، حيث تتلى القداسات والصلوات، وبدون تأخير بُدئ في بناء البرج الجنوبي للكاتدرائية، ولكن وبعد 90 عاما توقف العمل في البرج على ارتفاع 56 متراً ربما لأسباب مالية.

في العام 1841 أسس مواطني كولونيا رابطة الكاتدرائية، وتلي ذلك بعام أن وضع القيصر البروسي فريدريك فيلها يم الرابع حجر الأساس لاستكمال البناء وبعد ذلك بأربعين عاماً، أى في العام 1880، تم بمساعدة التقنيات الحديثة الانتهاء من البناء على أكمل صورة.

ومن وقتها اعتبرت الكاتدرائية كنصب قومي تذكاري، وكملمح من ملامح الوفاق بين الألمان الكاثوليك والبروتستانت البروسيين، وكانت في ذلك الوقت بارتفاعها الذي يبلغ 157 مترا البناية الأعلى على وجه الأرض، واليوم هي ثاني أعلى كنيسة في جمهورية ألمانيا الاتحادية.

كاتدرائية كولونيا، كولونيا ـ ألمانيا

صورة عن قرب لنقوش على بوابة كاتدرائية كولونيا

تاريخ طويل

تعرضت الكاتدرائية لحوادث ومصاعب في فترات تاريخية مختلفة؛ ففي العام 1794 أسئ إليها من قبل الجيوش نابليون الغازية التي استخدمتها كإسطبل للخيول وثكنات للجنود. كما عانت في العام 1943 من ويلات قذائف البريطانيين في الحرب العالمية الثانية، ورغم تحمل البناء للاهتزازات الناجمة عن القصف، إلا أنه أضر بالأسس المعمارية مما استوجب سرعة ترميم المبنى بعد انتهاء الحرب.

كاتدرائية كولونيا خلال الحرب العالمية الثانية

عانت كاتدرائية كولونيا من قصف جيش الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية

وتضم كاتدرائية كولونيا إحدى أكبر مقدسات الكنيسة الكاثوليكية، وهي رفات الملوك الثلاثة (المجوس) القديسين المحفوظة في خزانة مهيبة تخضع لرقابة أمنية صارمة، كما أنها تخفي بداخلها أعمال فنية قديمة جداً لا تقدر بثمن تعود إلى القرن الرابع عشر.

كاتدرائية كوولونيا، كولونيا ـ ألمانيا

تحتوي كاتدرائية كولونيا على كم كبير من التحف والمقتنيات الفنية الثمينة

وقد كان لطرازها المعماري الفريد ولجسامة مسطحها وحجمها، بالإضافة إلى ما تحتويه من بديع النقوش والزخارف وما لا يوصف من المقتنيات والتحف الفنية، وقيمتها اللاهوتية والتاريخية أبلغ الأثر أن تختص بعناية منظمة اليونسكو العالمية ما جعلها في العام 1996 إحدى مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو.

حُلم المواطن الألماني

ويُقدر زائري كاتدرائية كولونيا في العام بنحو 6 ملايين زائر، وتمثل مزاراً سياحياً ومعلماً وجدانياً مهماً للمواطن الألماني، ولغيره من سائحي أوروبا الذين يجدون في ألمانيا عموماً وفى مدنها العامرة ككولونيا خصوصاً مستقرا لهدأة النفس من صخب العمل ولطمات الأعمال؛ فزيارة للكاتدرائية في عطلة نهاية الأسبوع أو في أى وقت من العام هي أفضل ما يتخيله بل ويسعى إليه المواطن الألمانى على الإطلاق، وقد كان ذلك بالفعل نتيجة استفتاء قامت به رابطة السياحة الألمانية في العام 2010 لاختيار المعلم الأكثر إلحاحاً على مخيلة الألمان ليقضوا فيه أوقاتهم للتنزه والترويح عن النفس بين روحانية الدين وعبق التاريخ.

تحتل كاتدرائية كولونيا المرتبة الأولى بين الأماكن المُفضلة للمواطنين الألمان

تحتل كاتدرائية كولونيا المرتبة الأولى بين الأماكن المُفضلة للمواطنين الألمان

وتبلغ واجهتها الغربية بالإضافة إلى البرجين مسطحاً هائلاً يبلغ 7100 متراً مربعاً مما يعطيها ذلك الانطباع بالهيبة والعظمة. ولمن يرغب أن يتمتع بنظرة بانورامية لنهر الراين ولمدينة كولونيا من أعلى الكاتدرائية فليعلم أن عليه  التحلي بالعزيمة ليصعد 509 درجة حتى قمتها. ويُمكن زيارة موقع كاتدرائية كولونيا لمعرفة مواعيد الزيارة.

[ad#Ghada200x200]

شارك برأيك