Booking.com

يخفت الضوء ببطء، ومن خلال فوهة خرطوم يمتلأ الفضاء داخل الكهف بأعداد لا تحصى من حبيبات الملح التي لا تكاد ترى، وتتلألأ الجدران نابضة بالحيوية من وميض وبريق بلورات الملح متناهية الصغر خلال جلسة العلاج الصحي هذه غير التقليدية.

salt-cave-therapy

كهف الملح بألمانيا منتجع صحي يعالج الأمراض المزمنة بأساليب القرن التاسع عشر

ويمكن سماع صوت التنفس العميق آتياً من الرفاق المرضى إلى جانب سعال خفيف يأتي من مكان ما بينما تعزف موسيقى خفيفة ورومانسية بنعومة، وكأنها تأتي من عالم آخر، وبشكل ينتمي إلى اللامعقول داخل كهف اصطناعي بل يتردد صوت غمغمة لخرير جدول مائي.

ويتكرر هذا المنظر عدة مرات يومياً في وسط بلدة “باد كيسينجن”، وهي منتجع صحي للتعافي بألمانيا تعرض علاجات تنتمي في أسلوبها إلى القرن التاسع عشر للعلاج من المشكلات الصحية المزمنة، ويقع كهف الملح الذي تعقد فيه جلسات العلاج متاخماً لمبنى مجلس المدينة القديم.

وانتقل بيتر شميت وزوجته إلى بلدة باد كيسينجن لعلاج الأشخاص الذين يعانون من متاعب صحية مثل ارتفاع ضغط الدم والربو وضيق الشرايين، ويؤكدان أن استنشاق الهواء الممزوج ببخار البحر المالح المشبع بمادة «يود بروم»، وهي عنصر كيميائي وسط جو من الهدوء المفعم بالاسترخاء داخل كهف الملح يساعد على التعافي.

ويقول بيتر شميت: «إننا بحثنا لفترة طويلة عن المكان الصحيح، واكتشفنا باد كيسينجن بالمصادفة».

ويبدو أن أسلوب العلاج بالمنتجعات الصحية التي تستخدم الوسائل الطبيعية للتعافي قد عفا عليها الزمن في أوروبا، ولكنه لا يزال يمارس في باد كيسينجن، ويعمل بشكل جيد.

ومثل الزوجين شميت يعتقد كثير من القائمين على الأنشطة الصحية التجارية الخاصة أن الاستثمار في منتجع باد كيسينجن سيكون له مردوده الربحي.

وأصبحت بلدية وولاية بافاريا على قناعة بأن المرضى سيستمرون في دفع الأموال ليجربوا العلاج بالملح عندما لا تعد الأدوية الحديثة ذات نفع لهم، وأن المرضى سيقيمون في الفنادق الفاخرة، ويتناولون الأطعمة الشهية أثناء تلقيهم هذه النوعية من العلاج.

وقد تدفقت أموال عامة للاستثمار في مجمع الحمام الحراري «كيسساليس» الذي يعد أحد أحدث التسهيلات الصحية الطبيعية من نوعه في أي مكان في ألمانيا.

وقد لاقت مصحة للعلاج النفسي شهرة تجاوزت حدود ولاية بافاريا بينما يعد مهرجان كيسينجن الصيفي أحد معالم الجذب الموسيقية البارزة في المنطقة.

وتم إنفاق إجمالية 35 مليون يورو (ما يوازي 48 مليون دولار) على تجديد وتحديث تسهيلات المنتجع العلاجية، وتسجل بلدة بادن كيسينجن نحو 1.5 ليلة فندقية كل عام.

ويوضح فرانك أوته مدير المنتجع الصحي قائلاً: «إننا نعد أنفسنا بلدة كلاسيكية للتعافي بلدة تطورت لتصبح مركزاً عصرياً للعلاج والسياحة، وهي جذابة للبقاء لفترات قصيرة، وأيضا لعقد المؤتمرات».

وتم وضع بلدة باد كيسينجن في يوليو الماضي في قائمة ألمانيا التي تقترح إدراج البلدة في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي.

ويقول بيتر فيديش المسؤول عن الشؤون الثقافية: «إننا نعتزم في العام المقبل بالاشتراك مع 12 من المنتجعات الصحية الأخرى في ألمانيا وجمهورية التشيك وإنجلترا وإيطاليا وفرنسا تقديم طلب رسمي لاعتبارنا أعظم المنتجعات الصحية في أوروبا».

ولا تعد فرص النجاح سيئة لأن باد كيسينجن لديها الكثير الذي تقدمه من الأيام الخوالي، وتحتفل البلدة هذا العام بمرور مئة عام على إقامة «ريجينتنباو»، وهو مجمع فخم كلاسيكي يعد من الأمثلة الأولى لمعمار المنتجعات الصحية في ألمانيا.

ويضيف فيديش قائلاً: «إننا كنا محظوظين أيضاً لأن ننجو من الدمار الذي ألحقته الحروب بالمدن الألمانية خلال 700 عام مضت».

وهناك معلم جذب آخر وهو الفيلا التي أقام فيها الكونت أوتو فون بسمارك الذي يلقب «بالمستشار الحديدي» 15 مرة في بلدة باد كيسينجن.

ووضع بسمارك بصمته على سياسات العالم بما يعرف باسم «مرسوم باد كيسينجن» الذي أصدره عام 1877، والذي يقضي بأن توقف ألمانيا شن حروب الفتوحات، وأثناء إقامة بسمارك ذات مرة في البلدة دشن عهدا جديدا من سياسة الرفاه الاجتماعي بإقامة نظام معاشات التقاعد.

شارك برأيك