تمثل محمية حديقة الحيوان بالمدينة الألمانية ميونخ أحد أهم وأجمل تجمعات الحيوانات في أوروبا بل وفي العالم، وتمثل الحديقة التي أنشأت عام 1911 أقدم حديقة حيوانات في العالم، وعاصرت في تاريخها الطويل مجموعة من التحديات التاريخية والاجتماعية، مما جعلها بما لها من ثقل علمي تاريخي، تتمتع بمكانة خاصة كشاهد على جزء من تاريخ تلك المدينة العريقة ميونخ، وكجزء من تاريخ حماية ورعاية جيراننا على الكوكب.. أمم وفصائل الحيوانات.
تقع حديقة هيلابرون على بعد 6 كيلومتر جنوب مركز المدينة في شارع (تير بارك شتراسي) رقم 30، تحدها من الشرق (شفا بنج) وتمتد حتى نهر (الإسار)، وترجع فكرة إنشائها إلى السير (بنيامين سومبسون) العالم الانجليزي الشهير والذي قضى معظم حياته في خدمة الحكومة البافارية.
تحتوي الحديقة على الكثير من عجائب وصنوف الزهور والنباتات والحيوانات والتي تثير الاندهاش طيلة ساعات الزيارة من بديع ألوانها واختلاف أشكالها وتنوعها بين الندرة والكثرة وناهيك عن قيمتها العلمية.
تعيش الحيوانات في منتجعات شاسعة وسخية بالمقومات الطبيعية تتشابه مع تلك التي عاصرتها يوماً في بيئاتها الجغرافية الأصلية، حيث يتم خلال الزيارة الواحدة التمتع برحلة ذات طبيعة عالمية يزور فيها الزائر بقاعاً مختلفة من العالم، والتي أتيحت الفرصة لرؤيتها مجتمعة في مكان واحد.
وهيلابرون ليست حديقة حيوان تقليدية أو بالمعنى السائد لمحمية حيوانات مدنية؛ فهي اليوم أحد أكبر المرافق الحيوانية في ألمانيا، وقبل كل شئ فردوس طبيعي نادر الوجود في نطاق المحميات الطبيعية عامة، حيث تعيش الحيوانات في أماكن فسيحة تحيطها المسطحات المائية والجداول، وبفضل هذه الشبكة من المجارى المائية يتمتع الزائرون بالرؤية والاتصال المباشرين لمراقبة الحيوانات والتمتع بمشاهدتها كما لو كانت في بيئاتها الطبيعية.
وتحتوي الحديقة ما يصل إلى قرابة 17 ألف حيوان تتوزع على 700 من الأنواع النادرة، وتسيل داخل المتنزه ولكن بصفة جزئية جداول وقنوات مائية تتفرع عن نهر (إسار) الذي يحد الحديقة من جهة الشرق، ويرجع عمر أشجار الحديقة إلى ما قبل بداية الإنشاء في 1911 مما وفر للحديقة إرثاً نباتياً نادراً، وأسبغ عليها رونقاً من فيض الطبيعة الخلابة.
وتمتد الحديقة على مساحة 36 هكتار من الأرض (360 ألف متر مربع)، وتضم بالإضافة إلى الحيوانات المحلية كالدببة والثيران الأوربية الكثير من السنويات كالأسود والنمور والفهود بالإضافة إلى الزرافات والفيلة ناهيك عن طيور البطريق، وتحتوى على أكبر (مطير) لتربية الطيور ومراقبتها في أوروبا، ويُنصح لزيارة الحديقة والتمتع بها تخصيص يوم كامل من الرحلة لذلك.
تاريخ المحمية:
يبدأ تاريخ المحمية مع بداية هواية جمع الحيوانات لتشكيل المجموعات الحيوانية الملكية من الفهود والأسود الدببة والتي تعود إلى عهد الدوقات والنبلاء في ألمانيا عامة وفى ميونخ خاصة، وذلك حين بنى الأمير (ماكسيميليان الثالث) في العام 1777 ضيعة في حديقة (مون فين بيرجر) لإيواء الحيوانات المجلوبة من الخارج لتشكيل مجموعات الملوك والأمراء، ولم تكن تتاح للعرض على العامة أو كحديقة حيوان وطنية بالمفهوم الحديث.
وفى حوالي العام 1860 افتتح النبيل (بيني دكت) في شارع الملكة (كونيجن شتراسي) بالقرب من الحديقة الانجليزية أول حديقة حيوانات عامة ومفتوحة للجمهور ولكنها أغلقت في العام 1865 بسبب الضائقة مالية.
وفي الخامس والعشرين من فبراير من العام 1905 تأسست جمعية حديقة حيوان ميونخ بإسهامات من مجموعة من النبلاء في ميونخ بغرض إنشاء حديقة حيوان وطني، وتم تخصيص منطقة (هبلا برون) لإقامة المحمية حيث وهبت للجمعية سالفة الذكر في العام 1906 ولمدة ستين عاماً مجاناً لاستغلالها لذلك الغرض شريطة أن توفر الجمعية المال اللازم لبناء المحمية في غضون خمس سنوات من ذلك التاريخ.
ولقد فتحت المحمية أبوابها للزائرين في الأول من أغسطس عام1911، حيث كانت بعض بيوت الحيوانات لا زالت مؤقتة أو في طور التجريب وهى بالتحديد بيوت الفيلة والتي استكملت نهائيا في العام 1914.
تقريباً في العام 1922 وبسبب التضخم المالي الذي أدى إلى مشاكل في التمويل تم إغلاق الحديقة، وعانت من مشكلات كبرى حيث تم تفكيك العديد من بيوت الحيوانات إلى الدرجة التي تم فيها هدم بيت الأسود نظرا لتصدع الأبنية، إلا انه في العام 1925 تأسست جمعية لرعاية محمية الحيوانات والتي أخذت على عاتقها استكمال البناء، وفي الثالث والعشرين من شهر مايو 1928 تم افتتاح محمية الحيوانات (هيلابرون) تحت إدارة (هاينز هيك) ويرجع إليه الفضل في تصميم أول محمية طبيعيه في العالم والتي رتبت فيها الحيوانات جغرافياً حسب مواطنها الأصلية، وطُبقت فيها المعايير العالمية والصحية لحماية الحيوانات، والتي جعلتها تنجح في أن تضم كثيرا من أنواع الحيوانات النادرة أو الفصائل التي كادت أن تنقرض في مواطنها الأصلية.
ولقد عانت المحمية أثناء الحرب العالمية الثانية من ضربات القنابل المروعة، وأيضاً سقطت الكثير من الحيوانات فريسة للضربات الجوية، إلا انه في منتصف مايو 1945 أمكن افتتاح الحديقة مرة أخرى للزيارة حيث استعملت بصورة مؤقتة ثكنات مستشفى الخيول العسكري كمأوى للحيوانات، وبسبب الضائقة المالية التي عانتها الحديقة ،حيث لم تحصل على اى دعم مادي حكومي في تلك الفترة، فقد ظلت بعض هذه الثكنات ولمدة ما يقرب من 20 عاما هي المأوى الوحيد للحيوانات، ولم يمكن بناء منازل جديدة لإيواء الحيوانات إلا في القليل النادر. ولقد ظلت الحمر الوحشية والظباء إلى العام 1920 في أحدى هذه الثكنات، وبالنسبة للجمال فقد عايشت تلك الظروف المعيشية السيئة حتى العام 1980.
في العام 1960 تبرع (هيلموت هورتون) بمبلغ يزيد على المليون فرانك لصالح الحديقة وبمساعدة تلك الأموال أمكن بناء مأوى جديدة لإيواء الأغنام والماعز البرية بالإضافة إلى تجهيز مأوى لقطيع الذئاب بالاضافىة إلى أماكن الرؤية والمتنزهات الخارجية .
وحوالي العام 1970 كانت المحمية في حالة سيئة وتم إهمال الكثير من أعمال الترميم والتجديدات الضرورية، فتم وضع خطة في العام 1972 للنهوض بأعمال التجديدات والتوسعات اللازمة وساعد على ذلك إتاحة بلدية ميونخ للمساعدة المادية والتي أسهمت في إنجاز الإصلاحات المطلوبة ،وتم تجديد بيوتات إنسان الغاب وغيرها من الحيوانات ومآوى الطيور، كما تم استبدال السياج الشائك بدروع زجاجية أقل ضرراً ومضايقة للحيوانات من الأسلاك الشائكة، كما تم في العام 1975 تجهيز منطقة قطبية لفقمات المسك وطيور البطريق والدببة القطبية، حتى انه تم بناء حديقة حيوان للأطفال مزوده بمتنزه لمداعبة الحيوانات.
وفي عام 1980 تم إنشاء قفص هائل لتربية الطيور ومراقبتها، والذي يمتد على مسافة 500 متر مربع وبارتفاع 22 متراً بسياج رقيق من الشباك الفولاذية، وهو أحد العلامات المميزة للمحمية. وقد تم بناء بيت الغابة في العام والانتهاء منه في العام 2001 حيث وفر مأوى لحيوانات الشامبنزى والغوريلا وتماسيح الميسيسيبي وبعض الزواحف وأنواع الأسماك، وفي العام 2007 افتتحت قاعة السينما والسيمنار للجمهور.
معلومات للزائرين :
الحديقة مفتوحة للزيارة طوال العام، ومن أبريل إلى سبتمبر من الساعة 8 إلى 18ـ ومن أكتوبر إلى مارس من 9الساعة إلى17. ويبلغ رسم الدخول للبالغين 9 يورو، و6 يورو للطلبة ، و4.5 يورو للأطفال من عمر 4 إلى 14 عام ومجانا للأطفال اقل من 3 سنوات.
ويمكن الوصول إلى المحمية عبر ركوب الباص رقم 52 والذي يغادر من ميدان (ماريين بلاتس)، أو مترو الأنفاق إلى محطة (ثال كيرشن).