Booking.com

على عكس كثير من دول العالم لا تزال “بورما” واحدة من الوجهات الأكثر غُموضاً حتى يومنا هذا؛ فعلى امتداد عقود من الزمان عُزلت عن عيون العالم الغربي وبقيت لفترات طويلة دولة عسكرية تحكمها حكومة مستبدة جعلتها بؤرة للعنف ومكاناً لانتهاكات حقوق الإنسان، إلى أن فتحت أبوابها للسياحة عام 1996م، لتصبح واحدةً من البلاد الأسيوية الجديرة بالزيارة لما تتمتع به من خصائص جغرافية ومناخية رائعة، وبفضل ما تمتلكه من تراث ثقافي غني ومواقع أثرية رائعة.

وسط العاصمة يانجون ومعبد سولي باغودا ليلاً

وسط العاصمة يانجون ومعبد سولي باغودا ليلاً

كانت بورما– جمهورية اتحاد ميانمار حالياً- دولة مستقلة منذ نشأتها في القرن السابع وحتى القرن الثالث عشر، إلى أن سقطت في يد الغزاة المغول الذين استمروا في الحكم قرابة المائة عام، وفي عام 1937م أصبحت مستعمرة بريطانية منفصلة عن الهند، وبعدها بثلاث سنوات قامت ميليشيا “الرفاق الثلاثون”- جيش الاستقلال البورمي وهو قوة مسلحة معنيّة بطرد الاحتلال البريطاني ـ بتلقي التدريب العسكري في اليابان، ومن ثم عادوا مع الغزو الياباني في عام 1941م، وأثناء الحرب العالمية الثانية أصبحت بورما مركزاً للقتال العنيف بين القوات اليابانية والحلفاء إلى أن انتهت الحرب بهزيمة اليابانيين، وفي عام 1962م أطاح الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال “ني وين” بالحكومة القمعية وبدأ ما سُمي “المسار البورمي نحو الاشتراكية”، والذي تسبب في حالة من الركود الاقتصادي والعزلة عن المجتمع الدولي مما أدي إلى استياء الشعب في بورما، والذي أجبر “ني وين” على الاستقالة، و في عام 1991م عاد الحكم العسكري وسعى إلى التهدئة بتوقعيه على سلسلة من الاتفاقات لوقف إطلاق النار مع الجماعات المتمردة، ولم يتبقى سوى عدد قليل لا يزال في المعارضة النشطة، ومن وقتها تزايد الاهتمام الدولي ببورما، وبدأ العالم ينظر إليها بعين مختلفة.

وتقع ميانمار في جنوب شرق آسيا على امتداد خليج البنغال، يحدُها من الشمال الغربي كلٌ من الهند وبنغلاديش، ومن الشمال الشرقي الصين وتايلاند، وتطل سواحلها الجنوبية على المحيط الهندي، وتبلغ مساحتها حوالي 679 ألف كم2، وتحدها المرتفعات من الغرب حيث جبال “أراكان” و”هضبة شين”، وأهم أنهارها “ايراوادي” الذي يجري في وسط البلاد وسط أرض سهلية، ويبلغ طوله حوالي  2170 كم، ونهر”سلوين” في الشرق، وينبع من منطقة شرق التيبت ليصب في خليج البنغال، ويبلغ طوله حوالي 2414 كم.

ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي؛ حيث تُعد اللغة البورمية ذات الصلة بالتبتية اللغة الرسمية، ولكن يتحدث كثيرون اللغة الإنجليزية، وتُمثل الديانة البوذية حوالي 70% من إجمالي عدد السكان البالغ أكثر من 55 مليون نسمه، ولا تقل نسبة المسلمين في هذا البلد الكبير لا تقل عن 15% من مجموع السكان نصفُهم في إقليم “أراكان” ذو الأغلبية المسلمة، بجانب ديانات أخرى مثل المسيحية و الهندوسية وغيرها.

وتتسم بورما بمناخ حار ورطب في فصل الصيف، أما شتاءً فيكون معتدل ومنخفض الرطوبة وقليل الأمطار، ولكن أروع الفترات المناخية والتي تسجل أعلى إقبال سياحي تكون من الفترة بين منتصف نوفمبر وحتى نهاية فبراير؛ حيث تُسجل متوسط درجات الحرارة في ذلك التوقيت 15:24 درجة مئوية، وترتفع الحرارة من مارس وحتى نهاية مايو وتُسجل 25:33 درجة مئوية، وتنشط الرياح الموسمية في الفترة من يونيو إلى أكتوبر من كل عام.

وتتمتع ميانمار بتُراث غني ورائع من الثقافات والعادات، والتي استمدتها من خلال موقعها الرائع بين اثنين من أكبر حضارات أسيا هما الصين والهند، مما جعلها  خليطاً من الخصائص البوذية التي أثرت كثيراً في الحياة هناك، وبالتالي حافظ الناس على بعض التقاليد الدينية من الطاعة واحترام الوالدين وكبار السن، إلى ارتداء أزياء بسيطة وتقليدية. كما توجد بعض المهرجانات الدينية والثقافية مثل الاحتفال “بيوم اكتمال القمر” في الشهر القمري، وذلك بإعداد الحلوى والرقص على الموسيقى.ى واشتهرت بكثرة أماكنها السياحية والأثرية، وبفضلها استطاعت في فتره وجيزة أن تحظى بمكانة رائعة بين بلدان آسيا، وتتنوع بين المعابد والمتاحف والحدائق المفتوحة والأنشطة المحلية المميزة:

العاصمة.. يانجون

تم تأسيسُها في موقع بلدة “داجون” عام 1755، ثم تغير اسمها إلى “يانجون” والذي يعني “نهاية الصراع”، ولكن حُرف في الانجليزية إلى “رانغون” من قِبل البريطانيين، وتعد “يانجون” أكبر مدن ميانمار؛ حيث يصل تعداد سكانها إلى 5 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 1036 كم2.

واكتسبت يانجون لقب مدينة الحدائق في الشرق، بفضل امتلاكها للكثير من الحدائق والمتنزهات والأشجار الاستوائية المورقة، كما تضم عدد كبير من المعابد والأسواق والمتاحف، وتُعد مركز هام للعمل الحكومي والأنشطة التجارية والمؤسسات التعليمية، والمدينة بصفة عامه تمثل مزيجاً من الثقافات والحضارات المتنوعة.

عُرفت يانجون بمدينة الحدائق في الشرق لكثرة حدائقها وبحيراتها

عُرفت يانجون بمدينة الحدائق في الشرق لكثرة حدائقها وبحيراتها

معبد شويداغون

شويداغون The Shwedagon Pagoda تحفة معمارية رائعة في قلب العاصمة، ويُعد أقدم معبد بوذي في العالم. يقع على تله ثينجوتارا، ويصل ارتفاعه لحوالي 326 قدم مما يجعل قبته الذهبية ظاهرة في جميع أنحاء المدينة، وتُروى بعض القصص أن تاريخ بناء ذلك المعبد يرجع إلى حوالي 2500 سنة، على الرغم من أن علماء الآثار يعتقدون أنه بُني بين القرنين السادس والعاشر. ومع مرور الوقت تعرض المعبد للتلف بسبب الزلازل والحروب الخارجية والداخلية واللصوص، وأُعيد بناؤه مرة أخرى.

إذا نظرت إلى واجهة المبنى الرئيسية تجدُها مرصعة بالآلاف من قطع الماس والياقوت والأحجار الكريمة والآلاف من الأجراس الذهبية والفضية، وإذا التفت إلى تصميمه الداخلي ستجده يتميز بالأسقف العالية البديعة، بالإضافة إلى ما يحويه من آثار بوذية.

معبد شوكاتجي Chaukhtatgyi

يقع على بعد خمس دقائق من معبد شوايدغون. بُني عام 1907م، وأصابته أضرار جسيمة بسبب ظروف المناخ، وفي عام 1957م تم هدمه وأعيد بناءه بشكله الحالي واكتمل البناء خلال تسع سنوات، ويحوي المعبد أكبر تمثال لبوذا وهو مستلقي بطول 72 متراً، ويميزه الفسيفساء الزجاجية أسفل القدمين.

قاعة كاراويك، يانجون ـ بورما

قاعة كاراويك، يانجون ـ بورما

قاعة كاراويك Karaweik

هي واحده من أهم معالم يانجون، وتوجد على جزيرة في بحيرة كاندوجي Kandawgyi فتبدو للوهلة الأولى كسفينة عملاقة. وبُنيت القاعة بمواد خرسانية على شكل زوجين من البط العملاق، وتضم ثلاثة طوابق بما في ذلك قاعة الاحتفالات، والمبنى مطلي كلياً بالذهب منذ أكثر من 20 سنة.

المتحف الوطني

يقع على مسافة بضع دقائق من وسط يانجون، وهو بناء حديث من خمسة طوابق يتيح للزائر تاريخ ميانمار على مر العصور كعروش الملوك السابقين وتحف قديمة ونادرة ولوحات فنية وأسلحة وآلات موسيقية وغيرها.

يعد "سولي باغودا" المعبد الذهبي الفريد أحد رموز يانجون

يعد “سولي باغودا” المعبد الذهبي الفريد أحد رموز يانجون

سولي باغودا Sule Pagoda

يقع في قلب مدينة يانجون، ويعتقد الكثيرون أنه بني منذ أكثر من 2000 سنة، ويعد من رموز المدينة بسبب تصميمه الفريد خاصةً عندما تنظر إلى قممه العالية التي ترتفع 46 متراً، وهناك يمكن أن تشاهد مناظر بانورامية للمدينة. وتنتشر في المكان المحلات التجارية واستوديوهات التصوير.

المحمية البرية حديقة هيلاوجا

المحمية البرية حديقة هيلاوجا

محمية الحيوانات البرية

تبعد هيلاوجا بارك حوالي 45 دقيقة بالسيارة من وسط المدينة، وتغطي مساحةة 1650 هكتاراً بما في ذلك بحيرة هيلاوجا، وتعتبر المحمية موطناً لأكثر من 70 نوعاً من الحيوانات و90 نوعاً من الطيور، كما أن فيها متحف مطابق لمباني ميانمار التقليدية، وحديقة الصخرة. وفي كثير من الأحيان تمر بها أسراب من الطيور المهاجرة. ويمكن للزوار الاستمتاع بركوب الفيل وصيد الأسماك ورحلات القوارب.

حديقة حيوان يانجون

تحتضن الحديقة عديد من أجناس الحيوانات البرية من جميع أنحاء العالم، بجانب نباتات وحيوانات نادرة، والتي تم جمعها على مدى سنوات منذ افتتاحها قبل أكثر من مائة عام، كما يوجد بها حديقة ملاهي محببة للأطفال والمراهقين، وسيرك يقدم فقرات للثعابين والفيلة والأسود.

باغان.. مدينة المعابد

مئات المعابد التي لا تزال موجودة في باجان

مئات المعابد التي لا تزال موجودة في باجان

باغان هي العاصمة الدينية القديمة لبورما قبل عدة قرون، وكانت مركزاً للإمبراطوريات القديمة، وعلى امتداد 26 كم2 يوجد أكثر من 4 آلاف من المعابد المترامية الأطراف تحيطها الأشجار والأعشاب من جميع الاتجاهات، ولن تتمكن من رؤيتها كاملة إلا عبر رحلة بمنطاد الهواء الساخن، والتي تتاح بين أكتوبر ومارس من كل عام، فتشاهد لوحه فنية رائعة من المعابد الصغيرة والكبيرة.

التجديف بالساق

إذا كنت قد رأيت صورا لبورما من قبل، فربما تكون قد رأيت مشهداً لمُجدف الساق Intha – وهو عادة رجل أو فتى ـ تكون ساقه ملفوفة حول مجداف ويتم توجيه القارب بها في بحيرة Inle.

التجديف بالساق في بحيرة Inle

التجديف بالساق في بحيرة Inle

صناعة الحرير من جذور اللوتس

قرية صغيرة في وسط بحيرة Inle، هي المكان الوحيد في العالم حيث يُصنع الحرير من ألياف جذور اللوتس، ويُمكنك مشاهدة الحرفيين الذين يتمتعون بالخبرة في فن التعامل  مع الألياف الأكثر قيمة وقداسة على وجه الأرض – من وجه نظرهم، وهي عملية شاقة للغاية، حيث يستمر العمل لأكثر من شهرين لإنتاج كيلو واحد فقط من الألياف، ثم تستخدم لنسج الأقمشة أو الملابس، ولكن نظرا لندرة المواد الخام وصعوبة العمل تُباع بسعر مرتفع بعض الشيء.

شوارع مليئة بالوجوه المبتسمة

يمكن أن تسمى تايلاند بلد مبتسم، ولكن بالمقارنة مع بورما فهو شعب بائس! وبالرغم من سمعة بورما السيئة بعض الشيء، لكنك ستلاحظ أن من سماتها الرئيسية وجوه شعبها المبتسمة دائماً، في كل مدينة وقرية وشارع، وحتى من يقدمون الخدمات المختلفة يحرصون على التحدث معك عن رحلتك ويستمعون بشغف إلى قصصك في بلدك، وربما يكون ذلك من تقاليد قديمة أو نوع من التحدي في مواجهة الحكم العسكري الطويل، أياً كان السبب فهي واحدة من الأماكن التي تستقبل السائحين بترحاب كبير.

المصادر: 1، 2، 3

شارك برأيك