إنه قصر فردناند شافيل والذي أسماه القصر المثالي، إنه قصر فريد من نوعه وإنه إبداع من خيال ساعي بريد عبقري، وتكريم للعبقرية الطبيعية من خلال هذا الرجل الذي كان يسير على قدميه طوال اليوم لإنجاز عمله الرسمي ولينهل الإلهام من الطبيعة بينما يجمع الحجارة اللازمة لبناء قصره الفريد، ثم يعود بعد عناء لينكب على عمله اليومي الذي لم يتوقف طوال 33 عاماً ليثبت للعالم أن الإرادة تتغلب على كل الصعاب المادية والمعنوية.
لم ترُق لفردناند شافيل (1836-1924) Ferdindal Cheval الدراسةكمعظم الموهوبين فترك المدرسة وهو في عمر 13 عاما رغبة في أن يكون خبازاً، ولكن قدره ساقه لأن يصبح ساعي بريد كأنما كان يعده قدره لهذا العمل الغير مسبوق.
بدأ فردناند البناء سنة 1879 حجراً حجراً، وكانت البداية عندما عثر على حجر مصادفة وحاز على إعجابه لشكله الفريد فألهمه ذلك بناء مبنى كبير من هذاالحجر، فبدأ بجمع الحجارة المشابهة من اليوم التالي من نفس المكان، وكرر ذلك العمل يومياً لجمع الحجارة حجراً حجراً ونقله بنفسه، وفي البداية حمل الحجارة في جيبه، وبعد شكوى زوجته من تكرارها خياطة سراويله المثقوبة من حمل الحجارة، تحول إلى حملها في سلة ثم أخيراً حملها في عربة يد يدفعها بيده أمامه.
وما أن بدأ الرجل بناءه اجتاحت القرويين هيستريا السخرية منه ومن عمله، ولكنه بقى على هدوئه بإصراره المنقطع النظير ليحقق حلمه، واستمر بجلد في عمله حتى إنه كان يعمل ليلاً على ضوء مصباح الزيت، كما أضاف إلى رحلة سيره اليومية لاثنين وثلاثين كيلو متراً ثمانية أخرى ليجمع أكبر قدر من الحجارة. واستخدم مع الأحجار الأسمنت والحجر الجيري وخليط الأسمنت والرمل للبناء.
بنى شيفال قصره ـ بل قلعته الخيالية المذهلة ـ في هوتريفز Hauterives في إقليم دروم جنوب شرقي فرنسا وأسماه القصر المثالي، ولقد اعتبر هذا القصر عمارة غير عادية مما يُعرف بالعمارة الساذجة أو الفطرية، وقد أشاد فنانون عالميون ومنهم أندريه بريتون وأندريه مالرو وبابلو بيكاسو بفن ساعي البريد الذي أضاف بعداً جديداً للفن الفطري في عمله.
واستغرق بناء القصر الفريد 33 سنة أي 12000 يوماً أي 100000 ساعة من الحجر الأول حتى آخر حجر شيده في قصره لتحقيق حلمه وتحويله إلى واقع دون كلل أو ملل. وانتهى شافيل من قصره عام 1912 ليبلغ ارتفاعه 10.6 متر، ومساحته 12 متر عرضاً و25 متر طولاً تقريباً.
ولمّا كان حلمه القديم أن يجوب الآفاق فقد استدعى التاريخ والفلسفة والأديان من جميع أنحاء العالم لتكون جزءاً من عمارته الخالدة؛ فالقصر خليط من أنماط مختلفة مع إلهامات من العمارة المسيحية إلى العمارة البوذية، فيحمل طابع شاليه سويسري، ومسجد، ولمسات جزائرية، مما يجعله معبداً للطبيعة والأفكار والتسامح، وتصبح الرسائل التي حفرها شيفال على الجدران خالدة تتحدث مع كل منا كل وفق قلبه.
أراد شيفال أن يدفن في قصره هذا ولما كان ذلك يتعارض مع القوانين الفرنسية قرر أن يبني مقبرة فاخرة له في مدافن منطقة هاوتريفز من نفس الحجارة، وقضى في بنائها 8 سنوات إضافية، وتشبه المقبرة قصره تماماً من الناحية العمرانية وهذا لأنه رجل أنجز عمله بصدق وحب. ومن العجيب أنني ترجمت الجملة الأخيرة على المقبرة التي تظهر بالصورة وجدتها تقول : ” الله …. الجنة ونعيمها ” ثم بالخط العريض ” مـسـجـد “! وكتب الله ALLAH ولم يكتب GOD !
[vsw id=”watch?v=PORBy6-whWY” source=”youtube” width=”425″ height=”344″ autoplay=”no”]
ويزور القصر سنوياً آلآف الزوار ويحرصون على أخذ قطعة حجر من نفس نوعالأحجار التي بني بها القصر كتذكار.
شاهد صوراً أخرى لقصر وحلم شافيل (لحجم أكبر اضغط على الصورة).
[ad#Ghada200x200]