“طنجة يا العالية… عالية بسوارها يا لالة”؛ هو مطلع أحد الأغاني الشعبية المغربية المشهورة، والتي يتغني فيها المغاربة بمدينة طنجة وجمالها الطبيعي وأسوارها العالية وبنايتها المرصصة على شكل بواخر قد رست على جنبات شواطئها الساحرة كما زمردات في عقد أنيق.

نزور طنجة المغربية أو طانجيت كما يُسميها المغاربة، ويُطلق عليها الفرنسيون “طانجيه”، أما الإسبان فيسمونها “طانخير”، ودُونت في أوراق المؤرخين بإسم “طنجيس”، وعن سبب تسميتها هناك عدة أقاويل مختلفة تبرز الموروث الشعبي والثقافي للسكان.

ومهما كان سبب التسمية فهي طنجة في شمال المغرب على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتتميز بموقع استراتيجي لكونها نقطة التقاء بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي من جهة، وبين القارة الأوروبية والأفريقية من جهة أخرى، مما جعلها محطة اتصال وتبادل الحضارات منذ آلاف السنين. ولا يفصلها عن الشاطئ الاسباني سوى 14 كلم وربع ساعة سفر بالباخرة، فيمكن مشاهدة الجنوب الاسباني بالمنظار من هضاب طنجه وبالضبط من شارع “سور المعكازين”، وهي قريبة جداً من مضيق جبل طارق.

تُعد طنجة من بين أقدم مدن المغرب أنشأها القرطاجيون في القرن الخامس قبل الميلاد، وضمتها الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد. بعد ذلك تتالت على طنجة فترات الغزو الإسباني والبرتغالي والإنجليزي، والتي تركت بصماتها حاضرة بالمدينة العتيقة كالأسوار والأبراج والكنائس. وهي الآن أحد أهم مراكز التجارة والصناعة والثقافة في شمال أفريقيا، كما تُعد قطباً اقتصادياً لكثرة مقار الشركات والبنوك. ومن المتوقع أن يكون ميناؤها الجديد (طنجة المتوسط) منافساً للوساطة بين أوروبا وشمالي أفريقيا.

وينتسب إلى طنجة بعض الشعراء والكتاب والفنانين المشهورين، ومن أبنائها الرحالة والمؤرخ العربي ابن بطوطة، والروائي المشهور محمد شكري، كما يوجد بها العديد من قاعات الفنون والمسارح والموسيقى والمتاحف والجمعيات الثقافية الشهيرة دولياً.

أشهر ما في مدينة طنجة أحيائها الخمسة العتيقة: القصبة، دار البارود، جنان قبطان، واد أهردان، وأيت إيدر. وقد بُنيت أسوار المدينة على عدة مراحل؛ فمن المحتمل أنها بُنيت فوق أسوار المدينة الرومانية “تينجيس”، ثم أتى السلاطين العلويين فأضافوا تحصينات وترميمات في القرن 18م، ودعموا الأسوار بمجموعة من الأبراج مثل برج النعام وعامر، كما فتحوا بها 13 باباً من بينها باب مرشان وباب حاحا وباب البحر وباب المرسى.

إلى جانب مجموعة كبيرة من المواقع والبقايا الأثرية تنتمي إلى حضارات ما قبل التاريخ وحضارات الفنيقيين، ومباني أثرية تتيه بها من جامع الجديدة المعروف باسم جامع عيساوة وأحياناً بمسجد النخيل، ويتميز بمنارته ذات الزخارف الفسيفسائية.

وكذلك الكنيسة الأسبانية وقصر القصبة وقصبة غيلان، ومبنى السفارة الأمريكية وهي أول مؤسسة تمتلكها الولايات المتحدة خارج أمريكا بعد أن أهداها لها السلطان مولاي سليمان الأول سنة 1821م. فبعد أن استعملت كسفارة أمريكة بالمغرب لمدة 135 سنة تم إخلاؤها لفترة حتى حدود سنة 1976م حيث أصبحت متحفاً للفن المعاصر.

ومن يصل طنجة لابد وأن يزور مغارة هرقل، وهي مغارة كبيرة تطل على البحر الأبيض المتوسط، وسُميت باسم هرقل الذي فر من الرومان واختبأ فيها، وتتخذ بوابة المغارة شكل خريطة القارة الإفريقية تماماً. وبالمغارة عدة كهوف عمد الباحثون إلى رمي أشياء ثقيلة ومعينة بها ليعرفوا مخارجها، ولم يفلحوا إلى يومنا هذا للتوصل إلى الأماكن التي تؤدي إليها كهوف هرقل.

(اقرأ المزيد: مغارة هرقل.. أسطورة مغربيّة بتاريخ يوناني)

بلاصا طورو “plaza torro” ، وهي ساحة كبيرة جداً في المدينة القديمة بالقرب من حي السواني، وقد كانت ملعبا يمارس فيه الإسبان رياضة مصارعة التيران أما مالاباطا فهو سوق شهير يُباع فيه كل شيء، جديد ومستعمل، من ملابس وأفرشة وأثاث منزلية وغيرها. وفي الطريق إلى السوق تقع “قصبة غيلان” التي ويرتبط اسمها باسم الخدير غيلان قائد حركة الجهاد الإسلامي ضد الاستعمار الإنجليزي الذي احتل مدينة طنجة ما بين 1662 و 1684 م.

ومن بين شواطئ طنجة يمتد شاطئ أشقار على طول المحيط الأطلسي بالقرب من مغارة هرقل، ورُفع العلم الأزرق بشاطئي أشقار وكذلك شاطئ الصول لاستجابتهما لمعايير جودة المياه والسلامة وتوافر معدات الوقاية وتجهيزات الراحة للمصطافين، وهو دليل على تمتع طنجة بجمالية ونقاء سواحلها، سواء من حيث جودة مياه الاستحمام أو التجهيزات.

ويعمد الكثير من المصطافين إلى رمي قطع نقدية في قعر بحر أشقار والتقاطها ثاتية لشدة صفاء الماء وقدرة المصطفين على رؤية قعر البحر. كما يستطيع الزائر لشواطئ مدينة طنجة ممارسة جميع الرياضات والهوايات البحرية من قيادة “الجيتسكي” على البحر وركوب الأمواج وركوب الخيل والجمال وحتى تعلم الغطس

شارك برأيكإلغاء الرد