تزهو كل بلد بما يميزها، فمن يقدم التسوق أو المعالم التاريخية أو الطبيعة الجميلة أو المهرجانات الصاخبة أو يجمع بين هذا وذاك في محاولة لتقديم الأفضل وسط سوق سياحي تشتد فيه المنافسة، لكن في التشيك بدأت شركة سياحية تجربة مختلفة تماماً تدعو السائحين لرؤية أسوأ ما فيها؛ أماكن شهدت أشهر فضائح الفساد المالي والسياسي.

التشيك واحدة من أجمل بلدان أوروبا الشرقية تعد السائح بالتاريخ والطبيعة وأماكن الاستشفاء بتكلفة تقل عن دول أوروبا الكبرى، لكن وكالة “جولة الفساد” أو  CorruptTour.com توجه أنظار السياح نحو الجانب الأسوأ في التشيك وتنظم جولات في العاصمة براغ لزيارة أماكن شهدت وقائع الفساد السياسي والكسب غير المشروع مثل مباني وزارة الداخلية، ومقر إقامة الرئيس التشيكي فاتسلاف كلاوس الذي يشغل المنصب منذ عام 2003، والمبنى الذي شهد بداية الحياة العملية لمستشاره السابق ماريك داليك والذي تورط في فضيحة رشوة.

فريق عمل وكالة جولات الفساد أو “Corrupt Tour” في التشيك

وتنظم Corrupt Tour جولاتها تحت شعار ” أفضل ما في الأسوأ”، وتقول أن ما تقدمه اتجاه مبتكر في عالم السياحة، وأنها توفر سبل الإطلاع على أماكن مجموعة من رواد ممارسة الفساد في عالم اليوم!

يقود الجولات مرشدون يرتدون قبعات برتقالية اللون وملابس مميزة، وتستغرق الجولة ثلاث ساعات في المتوسط، ومن بين المعالم التي يراها السياح فيلات فاخرة ومنازل أباطرة الفساد ورجال السياسة المرتبطين بهم، بجانب مشاريع تشهد على حجم الفساد الحكومي والإداري وضعف التخطيط مثل سكك حديدية معلقة في أماكن لا تحتاجها فعلياً، وقطعة أرض خالية كان من المفترض أن تضم استاد أوليمبي أنفقت الملايين على التحضير له، ومراحل بناء نفق تأخر إنجازه عن موعده وزادت تكاليفه بنسبة كبيرة، وكذلك موقع سجلته 589 شركة كمقر وهمي لها، وجامعة تمنح الدرجات العلمية في أقل من عام واحد مقابل المال.

أحد المرشدين خلال جولات “Corrupt Tour” في مدينة براغ

كل هذا وغيره يدلل على حجم الفساد في التشيك للدرجة التي تدفع البعض للاعتقاد أنه لا يمكن للعمل أن تستمر في المجتمع بدون الفساد والرِشا، ويجعل لدى البلد الكثير لتقدمه لأهلها وزوارها في هذا المجال، وكما علقت واحدة من المشتركات في جولة Corrupt Tour: نحن مشهورون بكوننا دولة فاسدة، ولا نفتخر بذلك.

وخلال هذه الجولة الغير اعتيادية وصف أحد المرشدين بيوت رجال الأعمال الفاسدين بأعشاش الطيور، قائلاً للسائحين: “الرجاء الهدوء، حتى لا نزعج الطيور في أعشاشها فقد نتعرض لهجوم من أحد الذكور المسيطرة على العش”. وعلق أحد السياح بقوله: “إن حجم الفساد هنا لا يُصدق، إنهم يسرقون المليارات والجميع يعرف ذلك ولكن لا أحد قُدم للمحاكمة، ولا توجد أدلة كما يتم التلاعب بالشرطة والجهاز القضائي”.

ويوضح فكرة “جولات الفساد” بيتر سوريك Petr Sourek مترجم ومؤسس الشركة: “الفكرة هي محاولة عكس الموقف المألوف حينما ينهي الفساد المشروعات التجارية بأن ننشئ أعمال تربح وتتخذ من الفساد مدخلاً لها”. بينما يأمل Pavel Kotyza أحد منظمي الجولات أن يُدرج الفساد في التشيك ضمن التراث الثقافي العالمي لمنظمة اليونسكو.

وبالنسبة للحكومة التشيكية التي تُنظم جولات سياحية تفضح سواءاتها للقادمين من دول شتى، فقد عبر رئيس بلدية براغ يوهوسلاف سفوبودا عن أسفه على السياح الذين يتدفقون لمشاهدة ذلك، ولكنه في الوقت نفسه قال إذا لم نسمح بذلك فسنظهر كأن شيئا لم يتغير، وعبر عن أمله أن يأتي اليوم الذي تُنظم فيه “جولات عدم الفساد” في براغ.

وشهدت الجمهورية التشيكية، مثل سلوفاكيا المجاورة لها وغيرها من البلدان الشيوعية السابقة، تحولات سياسية واقتصادية عميقة خلال العقدين الماضيين، كما خاضت كثير من مؤسسات هذه البلاد كفاحا طويلاً وصعباً ضد أعمال الكسب غير المشروع وسط نظام تندر فيه الملاحقات القضائية وإدانة المتهمين.

وتُصنف التشيك كواحدة من أكثر بلدان العالم فساداً، وهو ما يبشر للأسف باستمرار أعمال الشركة السياحية الناشئة، واحتلت مع المملكة العربية السعودية ونامبيا المرتبة السابعة والخمسين من بين 183 بلداً في مؤشر الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية للعام 2011.

وهكذا لا يغيب تأثير السياسة عن جانب من حياتنا ولا تعد السياحة استثناء، فمن منع الذهاب للدولة ما أو فتح الباب على مصراعيه في أخرى، إلى زيارة المتاحف وأماكن المعارك الفاصلة وقصور الملوك السابقين والسجون والمعتقلات والميادين الهامة كميادين الثورات العربية، وحتى أماكن الفضائح السياسية والمالية، وبالطبع لو يوماً ما نظم أحد في بلادنا العربية جولات مماثلة لينافس التشيك فبالتأكيد سنحتل المرتبة الأولى عالمياً!

شارك برأيكإلغاء الرد