الأفكار الجديدة أساس الجذب السياحي لأي مكان لأنه إذا توقفت أفكار بلد عند حد معين ولم تجدد نفسها وطريقة عرض معالمها، فإنها قد تصبح مجرد مكان في ذاكرة التاريخ وعداد المفقودين. وكما عودتنا الصين فهي دولة تحب العمل والتجديد والتصميم على إنجاح أفكارها الجديدة، وهذا ما يدفعهم لتنفيذ فكرة مهرجان الجليد السنوي في مدينة “هاربين” التي تقع بالقرب من سيبريا بمناخها المتجمد قارص البرودة.
تقع مدينة هاربين في مقاطعة “هيلونغجيانغ”، ويقطنها أكثر من أربعة ملايين شخص، وهي واحدة من أكبر المدن في شمال شرق الصين، وتأثرت بقربها الشديد من روسيا، ذللك تضم مجموعة من التحف المعمارية المتوارثة من الحقبة الروسية مثل الكنائس الأرثوذكسية الروسية التي لا تزال قائمة، بجانب المعابد البوذية المنتشرة هناك.
وتصل درجات الحرارة إلى -30 درجة مئوية تحت الصفر، كما تنتشر الرياح القادمة من سيبيريا، وتغيب الشمس من بعد الظهر، وقد يبدو طقس كهذا مشجعاً لقضاء العطلات والسياحة، لكن في هاربين تبدأ بشارات الموسم السياحي عند وصول الشتاء وأواخر شهر ديسمبر من كل عام، فيحتشد الزوار لتجربة واحدة من أروع مهرجانات الجليد والثلوج فى العالم “مهرجان هاربين السنوي للثلوج والجليد” Harbin International Ice and Snow Festival.
بدأت فعاليات المهرجان لأول مرة فى عام 1963، ثم توقف لسنوات حتى استئنافه مرة أخرى عام 1985، ويعتبر الآن واحداً من أكبر أربع مهرجانات الثلوج والجليد في العالم، ويجذب ما يقرب من مليون زائر من الصين وخارجها، وزاد من شهرة مقاطعة “هيلونغجيانغ” كملعب للرياضات الشتوية حيث منحدرات التزلج على الجليد في الصين، كما يوجد في مدينة هاربين نفسها نهر “سونغهوا” الذى يوفر مساحة للمتزلجين على الجليد، وكذلك مباريات هوكي الجليد. ومن المتوقع تتقدم المدينة لاستضافة دورة الألعاب الاولمبية الشتوية 2022.
ويُعرض في مهرجان هاربين على ضفاف نهر “سونغهوا” المتجمد للثلوج مئات من التماثيل والمنحوتات الجليدية الضخمة المعقدة، ويشارك في نحتها أكثر من 15000 عامل، ويصممها طلاب كلية الهندسة المحلية الموجودة بالمدينة، ويتم تجهيز المنحوتات عادةً بحلول نهاية ديسمبر على الرغم من أن المهرجان يبدأ رسمياً يوم 5 يناير ويستمر حتى 15 فبراير.
وخلال الليل، تُضاء الأنوار المجهزة من الليزر المتعدد الألوان مع العديد من الفوانيس وأعمدة الإنارة فى الشوارع مما يضفي جواً مبهجاً وسحرياً على المكان والمنحوتات، ويستمر توافد الزوار وانبهارهم حتى نهاية فبراير قبل بدء المنحوتات في الذوبان.
هل تساءلت يوماً كيف كان سيبدو شكل سور الصين العظيم إذا كان مصنوعاً من الجليد؟ أجاب مهرجان هاربين في دورته الماضية عن هذا السؤال، وقام العمال والمصممين بصناعة نموذج لسور الصين بكل عبقريته وتفاصيله الصغيرة وعندما عرض فى المهرجان لاقى إعجاباً كبيراً من الجميع، وربما يقدم المهرجان معالم عالمية أخرى، ربما تمثال أبوالهول أو تمثال الحرية مصنوع من الثلوج.
ويوجد الجزء الأكبر من المنحوتات الثلجية في وسط حديقة Zhaolin، وكذلك حديقة “صن بارك آيلاند” sun park island، في حين أن الزوار الذين يتمتعون بجرأة أكثر تجاه البرد يمكنهم الانضمام إلى السباحين فى نهر “سونغهوا” المتجمد في درجة حرارة شديدة الانخفاض، وفي كل الأحوال يجب ارتداء ملابس ثقيلة. وفي نهاية المهرجان تمنح الإدارة للحضور فؤؤس لاستخدامها في هدم التماثيل الثلجية التي تقترب من الذوبان.
ويمكن الوصول إلى هاربين بواسطة القطار؛ فهي محور رئيسي للنقل بالسكك الحديدية في شمال شرق الصين، ويغادر قطار سريع في الثامنة والنصف مساءً من بكين ليصل فى السابعة صباح اليوم التالي، كما تغادر القطارات من هاربين إلى مدينة “فلاديفوستوك” بروسيا يوميّ الأربعاء والسبت من كل أسبوع. أما المسافرون على خط السكك الحديدية عبر سيبيريا إلى أو من موسكو فإن خطوط القطارات تعمل ستة أيام في الأسبوع.
إقرأ أيضا: فنون من الثلج على جبال الألب الفرنسية
صور للتحف الثلجية في مهرجان هاربين للثلوج: (لجحم أكبر اضغط على الصورة)