مدينة عريقة بتاريخها، كانت عاصمة المملكة النوميدية الأمازيغية التي قامت شرق الجزائر إلى تونس، “سيرتا” هو اسمها تلك الأيام عندما اتخذها “ماسنيسا” عاصمة لدولته، مر بها الرومان والبيزنطيون والوندال، حتى وصل الفتح الإسلامي فتداولت عليها الإمارات الإسلامية الأمازيغية والعربية، وفي العهد العثماني أصبحت قسنطينة عاصمة بايلك الشرق، كل تلك الحضارات المتعاقبة على المدينة جعلت منها مدينة عريقة التراث والثقافات.
ستُسْعَد الجزائر باستضافة احتفالية عاصمة الثقافة العربية للمرة الثانية، وسيكون الموعد عام 2015 مع قسنطينة عاصمة الشرق، مدينة الجسور المعلقة وعاصمة المملكة النوميدية البربرية، والتي ستحتفي بثقافة العرب وتكون قبلة لهم وللسياح للاستمتاع بما تجوده من معالم أثرية وثقافية وسياحية وكذا بمهرجانات متنوعة ستقام بهذه المناسبة.
فتلك المدينة المبنية على صخرة الغرانيت أو الكلس القاسي، وهبها الله منظرا فريدا من نوعه عبر بقاع الكون المختلفة، حيث تبدو من الخارج كهيئة عش الطائر، وتحوي العديد من المعالم الأثرية التي طالما كانت في حقب تاريخية سابقة معالم إدارية أو اجتماعية مهمة كالقصبة والقصور والحمامات والجسور والأسواق حتى الكهوف والمغارات الموجودة أسفل وادي الرمال والتي تعتبر محطات لصناعات أثرية تعود لما قبل التاريخ.
ولأن الاستثمار في المجال الثقافي والسياحي سيكون سمة الاستعداد لعاصمة الثقافة العربية، فسيتم إنشاء متحف للفن المعاصر وهو المتحف الثاني في نوعه بالجزائر بعد متحف ” MAMA” الموجود بالعاصمة، إضافة إلى تحويل إقامة الوالي الحالية إلى مركز للفنون.
ولا شك أن هذا العرس الثقافي سيعود بالإيجاب على السياحة في “سرتة” وهو الأسم الذي كان يطلق على قسنطينة أيام كانت عاصمة المملكة النوميدية، كما سيستفيد قصر الباي من إعادة تأهيله إضافة إلى تسجيل 74 عملية لإعادة ترميم التراث المادي الموجود بالمدينة وما حولها من معالم أثرية مختلفة الحقب التاريخية، وسوف يكون الترميم من طرف المؤسسة الجزائرية الكتلانية تحت إشراف الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية وهو المؤسسة المكلفة بإدارة المعالم الأثرية والمواقع المصنفة عالميا في الجزائر.
ومن المنتظر أن يستفيد موقع “درب السياح” من التطوير الذي سيلحق به بهدف إعادة تهيئته وفتحه قبيل انطلاق فعاليات الاحتفالية، ويعد هذا الموقع الذي يتوسط قلب المدينة عبارة عن أدراج ترتفع وتنخفض على طول كيلومترين ونصف وبعرض المتر ونصف، وهو معلم فريد يتيح للسياح الاستمتاع بمناظر الوادي في الأسفل. شيد المعلم من قبل المهندس الفرنسي فريديريك ريمس سنة 1895.
وستعرف عاصمة الشرق الجزائري أكثر من 40 مشروعا أقل ما يقال عنه أنه من المشاريع الكبيرة التي ستغير وجه المدينة بالكامل، أما المشروع الأبرز في هذه الفترة بمدينة الجسور المعلقة فهو جسر الرمال بطول 1150م وبعرض 25م، جسر عملاق الذي سيكون جاهزا شهر أبريل من عام 2014 وهو الشهر الذي تم فيه تدشين جسري سيدي مسيد وسيدي راشد منذ مائة عام، سنة 1912، وقد وصلت نسبة الأشغال بالجسر العملاق إلى 75 %، وسوف يضمن الجسر إضافة إلى أهميته الخدماتية صيغة جمالية وموقعا سياحيا جذابا يزيد من روعة الطابع السياحي للمدينة، خصوصا أنه سيعبر وادي الرمال العميق، ويعلو الجسر الصغير المسمى “مجاز الغنم” والذي بدوره سيستفيد من عملية ترميم باعتباره موقعا أثريا.
ستكون مدينة الجسور المعلقة بين طرفي وادي الرمال وعددها ثمانية على موعد العام القادم لافتتاح واحد من أضخم الجسور وأعظمها ليكون جسرها التاسع، أما في 2015 فستكون المدينة في حد ذاتها جسرا من جسور الثقافة العربية بما تحمله من تراث مادي ولا مادي يتجلى في عادات المجتمعات العربية ومعالم المدينة الأثرية والثقافية والسياحية.
يذكر ان المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (أليسكو) اختارت في ديسمبر 2012 مدينة قسنطينة لتكون عاصمة للثقافة العربية لعام 2015.