ليس ثمة شك أن الخيال كثيرا ما داعبه الذهاب يوما ما في رحلة سفاري تنسى فيها المادية التي طغت على حياتنا, حيث الطبيعة التي لم تتدخل فيها الأيدي البشرية, مما يسمح لك بالتعمق في أغوار الطبيعة النقية الخلابة في فضاء لا يتحده قيود أو تمنعه عوائق من التلذذ بجمال الطبيعة, وبلا منازع لا يمكنك توقع الأشياء هناك فالحياة البرية لها قواعدها, إنها تنزانيا يا عزيزي.
لذا لم يكن من المستغرب أن تكون تنزانيا محط أنظار المسافرين للاستمتاع بالغابات البرية والشواطي الزاخرة بالهدوء والاسترخاء, كما أنها وجهة كل مبتغي لقضاء عطلة سعيدة, لما تتمير به من تاريخ عريق وتراث ثقافي فريد, مما جعل زيارة هذه البلاد في إحدى رحلات السفاري لا يمكن أن تغادر خيالك أو ذهنك ما حييت.
وفي عزف قد يأسر قلب من يراه, ترى تناغم رائع بين رمال الشواطئ وأشعة الشمس, بينما يوشوش النسيم العشاق بكلمات رومانسية خلال السير على الأقدام حافيا على الرمال الناعمة على شواطئ البحر بما يعمق الطابع الرومانسي داخلك, كما أن تنزانيا تتمتع بالغابات ذات المساحات الشاسعة والمناظر الخلابة مما يرشحها لأفضل رحلات السفاري الأفريقية.
بيد أنه إذا ما أردت أن تستمتع بسيمفونية رائعة تلعب على أوتارها الطبيعية وتجسد لك معنى الشبق في الحياة, فينبغي عليك أن تفوت على محمية سيرنجيتي, والتي تعتبر أحد جنان الله في أرضه, لا سيما خلال هجرة حيوان النو, حيث يقدم السائحون من حدب وصوب لمشاهدة أكثر من مليون حيوان من النو يرافقها مائتي ألف حمار وحشي, وثلاثمائة ألف غزالة يسيرون كجيش يتوجة من أقصى جنوب سيرنجيتي إلى أقصى شمالها.
من أجل الحفاظ على هذه المشاهد, قامت هيئة اليونسكو بالإشراف على هذا الموقع التراثي العالمي الذي يجسد الحياة البرية بحذافيرها فضلا عن السهول المترامية لكي يحفظ للزائرين على هذه التجربة التي ليس لها نظير, علاوة على ذلك يعيش أكثر من ثلاثة ملايين حيوان ضخم من الثدييات كما يحيا في الجوار أكثر من خمسائة نوع من الطيور النادرة.
كما أنه ينبغي عليك ألا يفوتك الذهاب إلى محمية نجورونجورو كارتر, وهي أحد المناطق المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو والتي تقع في 180 كم (110 ميل) غرب أروشا في منطقة مرتفعات كراتير في تنزانيا, وتخضع إدارتها للحكومة التنزانية، كما تعتبر موطنا للطبيعة الخلابة النقية بجمالها الذي لا يضاهى.
بالإضافة إلى ذلك, تعتبر المحمية فريدة من نوعها حيث إنها منطقة المحمية الوحيدة في تنزانيا التي توفر الحماية للحياة البرية مع السماح في نفس الوقت بالإقامة البشرية, ويتم التحكم في استخدام الأراضي لمنع الآثار السلبية على الحياة البرية, على سبيل المثال، يحظر القيام بالزراعة تمامًا باستثناء بعض زراعة الكفاف, كما أنها تضم مرعى عشب مفتوحًا، وغابة جبلية، وغابة من الشجر الخفيض، وأرضًا بورًا مرتفعة تغطي 8292 كم وأكبر فوهة بركان في العالم والتي يبلغ ارتفاعها 2286 مترًا فوق مستوى سطح البحر.
كما تعد هذه المنطقة موطنا لأكثر من 30000 حيوان ويساعد على ذلك مساحتها الواسعة التي تبلغ 260 كم مربعًا وتحيطها الحوائط المنحدرة التي ترتفع بنحو 610 أمتار عن قاعدة الجبل البركاني الذي يرسم مشهدًا فريدًا رائعًا للحياة البرية والشموخ الأخاذ, كما أن وجود أكثر من 550 نوعًا من الطيور في المحمية يجعل منها جنة للطيو, كما تقع مدينة أولدفاي جورج التي تشتهر بالاكتشافات الأثرية ومتحف علم الاحاثة الرائع على الطريق المؤدي إلى نجورونجورو.
وهناك كذلك, أحد أهم المحميات الحيوانية في العالم إنها محمية سيلوس جام, التي تقع في تنزانيا, وقد سميت بهذا الإسم على اسم صياد بريطاني شهير وناشط بيئي سابق وهو فريدريك سيلوس, وقد صنفت هذه المحمية باعتبارها من مواقع التراث العالمي حسبما ذكرت اليونسكو في عام 1982, نظرًا لتعدد أشكال الحياة البريَّة فيها وجمال الطبيعة البكر هناك.
علاوة على ذلك تعد سيلوس وجهة العشاق, حيث الظفر بالهدوء التام والخصوصية الشديدة بين أحضان الطبيعة الصافية, كما أنه مرمى كل من يحاول أن يفر من ضجيج الحياة الحديثة، كما تزخر المحمية بثروة ضخمة من الحياة البرية, لكن العسير فيها أن مساحتها تمتد لمساحة 55 ألف كم مربع, كما يعيش فيها أكثر من 60 ألف من الأفيال وبها نحو 430 نوع من الطيور. .
أما عشاق تسلق الجبال فلهم نصيبهم من المتعة والمغامرة, حيث جبال كليمنجارو, الذي يعتبر أعلى جبال قارة أفريقيا, ويصل ارتفاعة حوالي 5895 كم كما أنه أقرب نقطة تغطيها الثلوج قريبة من خط الاستواء, ويتكون الجبل من ثلاث قمم بركانية (كيبو 5895 مترًا) في الوسط، وماونزي (5149 مترًا) في الشرق، وشيرا (3962 مترًا) في الغرب, وعلى الرغم من وجود هذه المرتفعات على بعد ثلاث درجات جنوب خط الاستواء إلا أن الجليد يغطي قممها طوال العام, وتعتبر قمة الأوهورو في كيبو أعلى القمم على الاطلاق. ويحصل متسلقو الجبال الذين يتمكنون من الوصول إلى هذه القمة على شهادة إلى جانب استمتاعهم بالمشاهدة البانورامية للسهول الممتدة حول الجبال, ودوما ما تكون كيبو قبلة محبي التسلق.
لا ريب أن الاقتراب من الطبيعة له سحر غريب وجذاب، والطبيعة البكر التي تبدو كالمعبودة لمحبي وعاشقي الحياة البرية, لذلك فأنت لن تشبع مهما كانت المرات العديدة التي تقدم فيها إلى تنزانيا, ولن تفرغ من معالمها السياحية سواء مدينة زانزيبار إلى بحيرة ندوتو ووصولا إلى قبائل الماساي والاستمتاع بعاداتهم.