يطرح مصممو الطائرات وطواقمها وركابها منذ وضع النفاث داخل «أنابيب معدنية مضغوطة» عام 1955, سؤالا مفاده: «هل هواء مقصورات الطائرات قاتل؟».
في عام 2009 حلت شركة «بوينغ» دعوى قضائية رفعتها مضيفة طيران كانت تعمل على خطوط «أميركان إيرلاينز» التي ادعت أن الهواء السام داخل رحلة جوية في عام 2007 سبب انتكاسا في صحتها, ومنذ ذلك الحين تصر «بوينغ» على أن هواء مقصورات الطائرات سليم للتنفس, وحتى وقت قريب يمكن لشركات الخطوط الجوية, وشركات إنتاج الطائرات الادعاء بشكل قانوني وشرعي أنه لا يوجد دليل علمي كاف لدعم هذه الاتهامات.
لكن هذا الأمر أخذ يتغير. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى ريتشارد ويستغايت الطيار السابق في الخطوط الجوية البريطانية (بريتش إيروايز) الذي توفي في ديسمبر من عام 2012 بعد معاناة من مرض استمر عقدا كاملا سببه كما يعتقد تعرضه الطويل إلى مواد تشحيم (شحوم) lubricants المحركات النفاثة التي كانت تتسرب إلى هواء المقصورة.
وجرى تقديم عينات من دم ويستغايت ونسيجه إلى الباحث محمد أبو دنيا من كلية الطب في جامعة «ديوك» في أميركا الخبير في التسمم بالفوسفات العضوي, الذي نشر نتائج تحقيقاته العلمية الشهر الماضي في مجلة «بايولجيكال فيزيكس أند كمستري».
استنادا إلى أبو دنيا فإن أنسجة ويستغايت كانت وبالدليل الواضح مثقبة كالغربال, بالتسمم الفوسفاتي إلى جانب معاناته من إصابة كبيرة في الدماغ. ونقل موقع بلومبيرغ الإلكتروني عن الباحث أبو دنيا قوله: «لقد كانت أسوأ حالة شاهدتها طوال السنوات التي أقوم فيها بمثل هذا العمل».
وعلى الصعيد النظري فإنه لا ينبغي للفوسفات العضوي الذي مصدره شحوم المحرك النفاث والمواد الكيميائية المضافة إليه أن يتسرب إلى هواء المقصورة فجميع الطائرات النفاثة باستثناء «بوينغ 787 دريملاينر» الجديدة, وتقوم بضغط مقصوراتها باستخدام الهواء الساخن المضغوط الصادر عن المحركات النفاثة لكي يعاد توزيعها في المقصورة أما الأختام العازلة فالمقصود منها فصل الهواء عن الزيت وغيره من الكيميائيات.
ويبدو أنه من وقت إلى آخر تتعطل هذه الأختام أو تقوم بتسريب الأبخرة التي تلوث المقصورة, وهذا ما يحصل مرارا, ويورد بحث على الإنترنت حوادث من هذا النوع كان لها وقعها على صحة الإنسان خلال السنوات الأخيرة.
وأوردت دراسة أجراها في العام الحالي مجلس سلامة النقل الأسترالي أنه تلقى تقارير عن أكثر من ألف حادثة من هذا النوع حصلت بين عامي 2008 و2012, وعلى الرغم من أن بعضها كان بسيطا فإن غيرها شمل 11 إصابة صغيرة تعرض لها طواقم الطائرات, وفي الشهور الأخيرة برزت إمكانية إضافة حادثتين إضافيتين تعرض لها طيار ومضيف في الخطوط الجوية البريطانية.