ليس من رأى كمن سمع.. ربما تكون أحد هؤلاء الذين سمعوا أو شُغفوا بقصص الأساطير القديمة أو مهتم بقراءة كتب السحر والتنجيم، أو متابع جيد لأسطورة “دراكولا” أو مصاص الدماء، فما بالك بأن تذهب برحلة إلى مسقط “مصاص الدماء” إلى إقليم ترانسلفانيا، إقليم جغرافي يقع في رومانيا على الحدود المجرية، حيث تعتبر هي منشأ خرافة “دراكولا” والتي كان يعتقد كثير من المزارعين الرومانيين في صحتها سابقاً حتى صارت مشهورة على المستوى العالمي.
تنسج ترانسلفانيا Transylvania مزيجاً من التاريخ والتراث الشعبي من أوروبا الوسطى، المجريين والأرمن والألمان السكسونيين الألمان والرومانيين، كما تجسد لوحة رائعة وركناً وافراً من أوربا الشرقية، التي كانت دوماً يشوبها غموض الخرافات، فضلاً عن أنها تختلف عن رومانيا تماماً لأنها معزولة بشكل كبير، وتزخر بالجبال والقلاع الأسطورية التي تحتاج لمن يستكشفها.
وكما ذكرنا آنفاً أن الإقليم يمزج بين التاريخ المجري والألماني والروماني، ستجد لكل مكان ومدينة ثلاثة مسميات، مثل مدينة “سيبيو” أو “هرمانستاد” بالألمانية أو “ناجيزبين” بالمجرية، التي ننصحك أن تبدأ رحلتك منها حيث تحدها جبال الكاربات في الجنوب وتتميز المدينة بتاريخها متعدد الثقافات حتى اختيرت “عاصمة للثقافة الأوربية” عام 2007، كما تتميز “سيبيو” بالمطاعم الفاخرة ووفرة مواقع التراث العالمي لليونسكو التي يرتادها السائحون لدي قدومهم للمدينة التي تزهو بتراثها المعماري القديم.
أما باقي مدن ترانسلفانيا فتجدها تجمع بين أركانها الكثير من المتاجر والكنائس والمتاحف والمقاهي، ناهيك عن الميادين الكبرى التي تعرف بالعديد من هياكل وتماثيل لشخصيات بارزة من العصور المختلفة، إلى جانب مزيد من الحصون والقلاع التي تعود إلى القرن الثالث عشر ومتاحف المقتنيات الأثرية والأقنعة والمنحوتات والمنسوجات، وتتجول في الشوارع ذات طابع القرون الوسطى وتستمتع بالسوق المفتوح في بياتا كيبن، حيث تبتاع أفضل أنواع الجبن المصنوعة يدوياً من الفلاحين والمزارعين المحليين.
برغم أن متحف “الاثنولوجي” أو المتحف الخاص بوصف العروق البشرية، ستشعر خلال تجولك في مدن “ترانسلفانيا” أن المدنية والحضر لم يتدخل في الحياة اليومية هناك، وأن كل عرق ما زال له تأثير قوي على الإقليم، كما ترى العربات التي تجرها الحمير أكثر من السيارات وتشاهد المزارعين وهم يحصدون البطاطا وغيرها من المحاصيل.
لا يفوتك بالطبع أن تصعد على طريق “ترانسفاجرسان” الذي يُعد ثاني أعلى طريق في أوروبا والذي يبلغ ارتفاعه حوالي 7 ألاف قدم (2134 متر تقريباً)، وعلى جوانب هذه القمة تمتع بالعديد من المطاعم، حيث أن ترانسلفانيا تشتهر بعد “دراكولا” بالطعام وأنواعه حيث يوجد بها عنقود من المطاعم الرائعة التي تزين جانبي الطريق، فيها تقدم أفضل أنواع الأطعمة التقليدية اللذيذة مثل الحساء والبطاطس أو تناول وجبة “كورباس” التي تتكون من اللبن والقشدة وعصير الليمون والخل أو عصير الملفوف المخلل.
أما القرى الساكسونية الموجودة على قمة التلال فتعرف بكنائسها المحصنة، حيث كانت تحمي هذه الحصون القرويين وكنائسهم وثقافتهم من قرون غزو التتار، وفي مدينة “سيسناديورا” Cisnadioara ينبغي عليك أن تشاهد بساتين التفاح الرائعة من على قمة التل.
وفي إقليم ترانسلفانيا ينبغي عليك أن تزور ثاني أهم مدينة سياحية في رومانيا وهي مدينة “براشوف”، حيث يحيطها منحدرات جبال الكربات الشرقية والجنوبية وكأنها هلال، وفيها يمكنك أن تمضي يوم سياحي بامتياز سواء بالتجول أو التسوق أو حتى الأطعمة المتنوعة وتجلس في أحد المقاهي لتتأمل فنون التصميم المعماري القديمة.
وتبدأ الإثارة عندما تصعد إلى قلعة “سيغيسورا”، والتي تعود إلى القرن الثاني عشر والمرتبطة بالأسطورة والخرافة سيئة السمعة “دراكولا” أو مصاص الدماء، حيث تصل إليها من خلال وادي نهر “تارنفي” وتصطف أشجار الجور على الجانبين، ومدينة “سيغيسورا” القديمة تعانق نهر “ترانفي” في عرض مذهل من الطراز المعماري الساكسوني الذي يفتنك وكأنك فرد من أفراد رواية “دراكولا” حينما تذهب منزل فلاد الذي كان ابنه فلاد مصدر إلهام للمؤلف برام ستوكر صاحب “دراكولا”، وما زال المقيمين في “ترانسلفانيا يتناقلون قصص “دراكولا” بأنها شخصية حقيقة وليست أسطورية.
صورة حية وجاذبة تنقلها المواقع القروية في إقليم ترانسلفانيا بكنائسها المحصنة للمنظر الثقافي الخاص بها، كما تتميز قراها السبع التي أنشأها الساكسونيون في ترانسلفانيا بنظام خاص لتنظيم الأراضي وبمخطط نقاط التجمع السكاني وبتنظيم الوحدات الزراعية العائلية التي تم الحفاظ عليها على مر العصور منذ القرون الوسطى. وتشرف على القرى كنائسها المحصنة التي تجسد مراحل البناء من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر.
في نهاية جولتك الرائعة ستشعر كأنك قد عشت في قلب أرض الأساطير وموطن الخرافات وتظل غير متيقن هل كان دراكولا أو مصاص الدماء حقيقة أم أسطورة فما رأته عيناك ربما يزعزع ثقتك وما تسمعه من المواطنين هناك قد يجعلك تقول أنها قد تكون حقيقة ولكنك بلا ريب ستكون سعيد بأنك ذهبت إلى هذا المكان “ترانسلفانيا” المميز.