يعتبر قصر بيت الدين الذي يقع في بلدة بيت الدين في منطقة الشوف على بعد 45 كلم عن مدينة بيروت، على ارتفاع 850 مترا فوق سطح البحر من أهم اثار لبنان، وأروع وأجمل نماذج الفن العربي في القرن التاسع عشر، فهو يشكل مزيجاً رائعاً ومتناسقاً من بناء الحجر اللبناني في الخارج ومن الفن الزخرفي الدمشقي في الداخل.
أقام هذا القصر الرائع الأمير بشير الثاني الشهابي الذي حكم جبل لبنان زهاء نصف قرن من الزمن، إذ شارك في بناءه أمهر البنائين اللبنانيين، وانضم إليهم عدد من المهندسين الأوروبين والعمال المهرة القادمين من دمشق وذلك لصنع الفسيفساء وصقل الرخام المستورد من فلورنسا في إيطاليا، وقد استغرق بناء هذا القصر بقاعاته الواسعه عشرات السنوات، حتى زينت القاعات بنقوش هندسية جميلة وزخارف ملونه كتب عليها حكم وأمثال عربيه قديمه.
وبزيارتك إلى القصر ستمر في البداية عبر بوابة كبيرة تقودك إلى الميدان وهو ساحة كبيرة مستطيلة يبلغ طولها 107 أمتار وعرضها 45 مترًا، كانت تفتح لعروض الفروسية و للاحتفالات التي كان يحضرها العامة والزوار وأفراد الحاشية، وبانتقالك إلى الميدان الشمالي ستكون أمام جناح يعرف ب”المضافة مكون من طابقين، الأول كان يستعمل كإسطبلات، فيما يتألف طابقه العلوي من قاعات وغرف كانت في الأصل معدة لاستقبال ضيوف القصر، وتضم مجموعة من الفخاريات و الحلى الذهبية الرومانية والإسلامية.
أما دار الاستقبالات فببدايتها بوابة مزخرفة من أجمل البوابات في هذا العصر، وهذا الدار يتألف من غرفة انتظار ترتكز على عامود واحد لذلك سميت بقاعة “العامود”. أما قاعة الاستقبال المعروفة بـ “السلملك” فقد شيّدت على مستويين خصص الأعلى منهما لجلوس الأمير ولبعض زواره الكبار، وقد اشتهر القصر بحدائقه الجميلة وبساحاته الفسيحه لينافس بجماله قصر الحمرا بنوافيره، وزخرفته، وهندسته وتاريخه الطويل.
وتتوسط الدار الوسطى نافورة مياه، ويقع به “الحرملك” هو اسم الجناح الذي عادة ما يسكن فيه رؤساء الجمهورية ويتألّف من أكثر من 20 غرفة، ويعتبر أحد أكثر أجنحة القصر زخرفة، وقد زينت بوابته الرئيسية وجدرانه بالمنقوشات والفسيفساء المرمرية المتعددة الألوان.
والآن قصر بيت الدين هو المقر الصيفي لرئاسه الجمهورية، كما يقام به سنوياً مهرجان ثقافي هو مهرجان بيت الدين ويمكن زيارة القصر على مدار السنة.
كتب أحد المؤرخين اللبنانيين المعاصرين عن قصر بيت الدين “قصر بيت الدين كالنجم الغارق في الفضاء يلمع حيناً ويخبو حيناً، وفقاً لتقلبات الأحوال والظروف. عندما يلمع تعود إليه الحياة، ويقيم في قاعاته ومقاصيره الحكام والموظفون وتعج أروقته بأصحاب الأشغال والزوار الوطنيين والأجانب، فتعود السرايا التي شيدها الأمير بشير الشهابي الكبير لتكون مركز الحكم، ومرجع الناس، ومحط أنظار اللبنانيين، ومصدر السياسة. وعندما يخبو يقفر وينام نومة أهل الكهف، ويغيب عن أذهان اللبنانيين حتى يتاح له حاكم يوقظه ويقيم فيه، ويعقد فيه المؤتمرات والمجالس ويهبه الرونق الذي كان أيام بانيه الكبير، وهو في نظر أهل السياسة فرساي لبنان.