لا يعلم كثير من المحتفلين في جميع أنحاء العالم برأس السنة الميلادية أنّ أهالي العراق هم من بدأ هذه الاحتفالات منذ آلاف السنين عندما كانوا سادة المنطقة بلا منازع.
ووفقا لمقال كتبه جمال بن حويرب المهيري ونشرته جريدة البيان كان أهالي العراق يسمون هذه الاحتفالات بـ “أكيتو”، ويعني عيد رأس السنة لدى الأكديين والسومريين والآشوريين والكلدانيين في بلاد الرافدين.
وكانت السنة تبدأ في أول إبريل، وتستمر الاحتفالات حتى يوم الثاني عشر، والأكديون كما تعلمون أيها الأعزاء ساميو الأصل، قدموا من الجزيرة العربية.
وهذه الاحتفالات العراقية دليل على تفوق هذه الحضارات السامية العربية على كثير من حضارات العالم آنذاك، وتدل أيضا على الترف المادي والمعنوي ومستوى الرفاهية التي بلغتها هذه الدول السامية الموغلة في القدم، ولا تزال آثارها باقية حتى اليوم.
ومن آثارها التي لا يمكن أن ينساها التاريخ هذه الاحتفالات السنوية برأس السنة الميلادية، ولكنها تأتي بالفرحة العامة على الناس في الشرق والغرب إلا العراق الممزق ودول الثورات العربية فهي أبعد ما تكون عن السعادة والرفاهية لأنها ترزح اليوم تحت وطأة الظلم والتمزق والطائفية بعد أن كانوا جميعاً في حياة كريمة أفضل بألف ألف مرة من هذه الحالة التي هم فيها.
في بداية عهد الرومان الذين بنوا حضارتهم بعد شعوب ما بين النهرين العراقيين كانوا كذلك يحتفلون برأس السنة التي تبدأ حسب تقويمهم مع بداية شهر مارس.
وقد اكتفوا بتسمية عشرة أشهر فقط، وتركوا شهرين بغير اسم لأنهما من أشهر الشتاء، ولا أهمية لهما في الزراعة حتى جاء “نوما بومبيليوس” ثاني حكام “روما” بين عامي (715 ــ 673 قبل الميلاد) فأضاف شهر يناير، وهو اسم إله المداخل في المعتقد الروماني، وأضاف أيضا شهر فبراير، وهو إله النقاء عند الرومان، وقد بلغ 23 يوما، و24 يوما في سنة 450 ق.م فلما جاء القيصر يويليوس جعل أيامه بين 28 و29.
وإذا أمعنا النظر لوجدنا أن تاريخنا الهجري لم يتعرض لكل هذه التغييرات التي طرأت على التقويم الميلادي طيلة القرون الماضية بل كان واضحا ظاهرا، وليس في أشهره شهر يحمل اسم إله مزعوم من دون الله كما نجده في الأشهر الميلادية.
ومن أعمال القيصر “بومبليوس” أيضا أنه جعل يناير أول السنة، وبهذا انتقلت احتفالات رأس السنة من مارس إلى يناير، وبقيت هكذا حتى جاء يوليوس القيصر، وأعاد ترتيب التقويم الروماني في شرح يطول ذكره في هذه المقالة.
ولكن الاحتفالات لم تكن بهذا الحجم كما نراه اليوم في كل مكان في العالم، بل كانوا يصنعون الولائم ويشيعون مظاهر البهجة بقدوم السنة الجديدة، وبعضهم يقدم الهدايا وغير ذلك، ولم يعرفوا استخدام الألعاب النارية لهذه المناسبة حتى عهد قريب.
يذكر المؤرخون أن أول احتفال بالألعاب النارية كان في سنة 1904 في مدينة “نيويورك” بمناسبة رأس السنة، وكذلك افتتاح المترو إذ نجح صاحب صحيفة نيويورك تايمز، وهو مهاجر من أصل ألماني يسمى “ألفريد أوكس” قام بإقناع أعيان المدينة بتغيير مسمى ساحة “لونغكيري سكوير” إلى ” تايمز سكوير” بمناسبة افتتاح المقر الرسمي للصحيفة هناك، وكان المبنى هو محور الاحتفال الذي لم يشهد له مثيلا من قبل ثم استمرت الاحتفالات من بعد هذا الاحتفال الفريد من نوعه بالألعاب النارية، وقلدته مختلف دول العالم من ذلك الوقت حتى اليوم.